قديما كنا نذهب لمدارسنا نتعلم بها قدر المستطاع بكل جدّ واجتهاد، وفي نهاية العام نتقدم للامتحانات النهائية مستبشرين بكل خير، أنهينا المرحلة المدرسية وانطلقنا نحو الجامعات بكل فخر وثبات، لمنحتج يومًا للدروس الخصوصية، ولم نجزع لإمتحان قط، فتخرج منّاالطبيب والمهندس والمعلم والمحامي والأستاذ والمحاسب… ، والكليحمل سلاح العلم بكل أمانة وفخر، أما اليوم وقد انتشرت ظاهرةغريبة، بل وأجزم أنها آفة حقيقية؛ ألا وهي “الدروس الخصوصية”.
والسؤال الذي يتبادر للذهن؛ ما السبب في تفشّي تلك الظاهرة؟ ولماذا لم نعد نثق بمدارسنا ومؤسساتنا التعليمية وتعليمها كسابقالعهد؟ مما دعانا للبحث عن المدرسين لغايات التدريس خارج الدوامالمدرسي.
وللإجابة عن هذين السؤالين لا بد لنا الوقوف على الأسباب الرئيسة؛ وخاصة أنّ التعليم أصبح على حواف الانهيار، سيما أنّ المعلمينذاتهم ينطلقون للتعليم خارج أوقات الدوام الفعلي، وهم أنفسهم منيدرّسون داخل أسوار المؤسسات التعليمية ذاتها، أهو نقص فيالثقة بموقع العمل؟ أم هو تمرد حقيقي على قوانين التعليم.
بالرجوع إلى كافة القوانين المنوطة بالتعليم نجدها ذاتها لم تتغير ولمتتبدل، وربما هذا يوقعنا في خانة الضعف، وبتنا نعي تماما أنّ المدرسين بحاجة ماسة للورش والدورات التدريبية، بالإضافة إلىالتحسين المالي ليبقيه على أهبة الإستعداد لكل موقف ولكل تغيير. ولكن ما يحدث لدينا الآن على صعيد التعليم؛ هو ابتعاد كاملللمدرسين عن ساحتهم التدريسية وتوجههم للبحث عن المردود الماليفقط، مما أضعف انتمائهم لمواقع العمل، فبات العطاء مهزوزا ليسكذي قبل إلا ما رحم ربي.
ماذا سنخسر لو أننا وضعنا خططًا استراتيجية إجبارية تكفلتأهيل المدرسين بدورات وورش تعليمية تضمن الارتقاء بمخزونهمالمعرفي بما يتماشى مع العصر الحالي ومتطلباته، ماذا لو أنناجعلنا المدرسين يتنافسون فيما بينهم ومن ثم تحفيزهم مادياومعنويا للوصول إلى المراتب العليا التي تخدم العملية التعليمية؛ هلكنا سنخسر شيئا؟ ماذا لو أجرينا آلية تضمن للمدرسين تبادلالخبرات فيما بينهم من خلال حوارات وفعاليات هادفة حول العمليةالتعليمية، وإطلاعهم على ما يستجد في مجالاتهم وتخصصاتهمفي العالم ككل، لا بد لنا من إشراك المدرسين بكافة مناحي التعليمبما يضمن مساواته مع كافة الأكاديميين بما يجعل منه قدوة يحتذىبه؛ سيما أنّ أحد الأسباب التي تجعل المعلمين يتجهون للتدريسالخصوصي وضعهم المالي الضيق؛ ولن ننسى أنّهم يتمتعون بتميزعلمي كبير؛ فالميدان التربوي حافل بمعلمين أقوياء قادرين علىالمشاركة الفاعلة بكل قرار؛ وإلا لما وجدنا الإقبال الكبير عليهم فيالتدريس الخصوصي، لذا وجب علينا احتوائهم للإفادة منهم؛ حينهافقط سيؤدي المدرسون وظيفتهم بحيوية ونشاط، ولكن لا يفوتنا العملعلى تحسين الأوضاع المادية التي يعاني منها المدرسين كافة كينضمن العمل بروح الفريق الواحد والجدّية والإخلاص.
وبالرجوع إلى التجربة الفنلندية للنهوض بالعملية التعليمية نجدباسي سالبورغ؛ وهو الأب الروحي للتعليم في فنلندا والذي اعتبرالدروس الخصوصية من جراثيم التعليم الخطرة والتي يجب الحدمنها، ومن هنا وجب علينا اتخاذ كافة الخطوات والإجراءات للحد منتلك الظاهرة التي باتت تتفشّى في مجتمعنا، ولن ننسى التكاليفالمادية المرهقة التي باتت تقع على كاهل الآباء من جرّاء تلكالظاهرة؛ وخاصة أنّ الثانوية العامة باتت الشبح الأكبر لكل بيت، من هنا لا بد لنا أن نعيد حساباتنا ونعيد التعليم إلى دفتهالصحيحة، فقد تعثرنا طويلا وابتعدنا عن المسار الصحيح، فنحننملك ثروة بشرية فذّة وهيئات تعليمية رائعة، فوجب علينا جميعناالتكاتف معا للارتقاء بالعملية التعليمية في بلدنا الحبيب.
د. أروى الحواري