حينما نحمل القلم ونكتب من خلاله ونرسم ونقرأ ونخطط؛ فنحن بذلكنخطُّ فيه رسائل علمية وأدبية وأخلاقية، نبثّها عبر الأوراق لملايينالقرّاء، فيحمل القلم على عاتقه أمانة كبيرة؛ ألا وهي: الفكروالأخلاق.
و لو حاولنا في عُجالة سريعة منّا معرفة ماهيّة هذه الأقلاملتعددت وتنوعت، وفي الخلاصة جميعها تؤدّي رسالة قد تكونواضحة للعلن، وقد تكون خفية، ولكنها بالنهاية منارة الأمم، وسلاحها الحاد، وصمّام الأمان، وعنوان الوحدة، ومكانة القلمالعظيمة فقد أقسم الله به فقال تعالى: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ [القلم: 1، 2]، تشريفًا لحامله، وإلزامًا بحفظ أمانته، وتكليفًا بالصدق في تبليغ رسالته، و تحقيقًالسلطان الحق والعدل، وتمكينًا لشريعة الله في الأرض.
ولكن ما هي أنواع الأقلام؟ نراها كثيرة، فمنها: الصادق، والكاذبوالمأجور،… ومنها ما يخاطب الروح والوجدان.
فالأقلام الصادقة ذات رسالة نبيلة وقيمة فاضلة، تخلّد وراءهاتاريخًا عتيدًا، وتحمل في مجملها معاني جميلة وأسلوبًا فذًا يلامسالقلوب قبل العقول.
ولا تكون الأقلام صادقة إلا إذا أخلصت في أداء الحق والواجبالمنوط إليها، ويتحقق ذلك إذا تحرَّى الكاتب الصدق في كتاباته، والأمانة في نشر أفكاره على أساس علني متين وقواعد بيّنة، وتلكالأقلام لا بد لها أن تجاهد في الله حق الجهاد لتبليغ أفكارهاالعظيمة، بكل صدق وإخلاص وثبات.
أما الأقلام الكاذبة؛ والتي ظاهرها جميل وباطنها سيء دفين، تبثّ سمومها بهدوء وتروّي، ولا تعلن ذلك مُجاهرة، تزيّف الحقائق وتعيدبناء التاريخ حسب حاجات كتّابها والمستفيدين منها، تلك الأقلامشريرة بائسة عليها غضب من الله، فهي تلوّث العقول بأفكار لاصحة لها، وتنشر معلوماتًا مخطط لها، فأثارها مُدمّرة وتبني جيلًالا يعي من الحق شيئا وغير مسؤول، وعادة ما تكون تلك الأقلاممُضللة باغية، هدفها الشهرة والوصول لمآرب خاصة.
أمّا الأقلام المأجورة؛ فتلك هي الأسوأ على الإطلاق، فأصحابهايكتبون لصالح أناس آخرون، لذا تراهم يكتبون لإرضاء غيرهم لا منأجل الكتابة أصلاً، يغيّرون في الحقائق والمشاهد حسب الحاجة، ويقبضون الثمن في نهاية المطاف، وكأنها تجارة ربحية بالنسبةإليهم، متناسين بذلك دور القلم وصناعته ورسالته المجيدة، هم بذلكلا يؤدّون رسالة علمية، فهدفهم غير سامي ولا نبل فيه، أولئكيستحقون المزيد من الغضب، فهم يصنعون ويلات كبرى بحق جيلكامل، ربما لا يعلمون ذلك وربما يعلمون، ففي نهاية المطاف تهمهممصالحهم فقط.
فالقلم أمانة في عنق صاحبه، إن استعمله جيدا كان عونًا له علىالباطل، وإن أساء استخدامه حارب فيه الحق وساعد على طمسهويته، فالقلم علم بين الصدور، ولهذا حينما سأل رجل المهلب بنأبي صفرة: (كيف نجحت وبلغت ما بلغت من مركز رفيع؟ رد عليهبهذا الجواب البليغ الحكيم: إنما أدركت ذلك بالعلم وحده، فقالالرجل: ولكن غيرك لم يصل إلى ما وصلت إليه وقد تعلم أكثر مماتعلمت؟ فقال المهلب: ذلك لأنني استعملت علمي ولم أحمله، بينماحمله غيري ولم يستعمله)، اللهم أعنّا على حمل أقلامنا واجعلها لنالا علينآ.
د. أروى الحواري