معاذ بني عامر
ما أعدم من أجله المفكر السوداني “محمود محمد طه” يوم 18/ 1/ 1985 وله من العُمر 74 سنةً، يتم تداوله اليوم بحماسٍ وجرأةٍ في المجال العام العربي وبشكلٍ جمعي هذه المرة.
إن السلحفاة العربية؛ سلحفاة الوعي المعرفي، كانت تسير بمُحرّكات فردية وصغيرة، من بواكير القرن التاسع عشر أو من بواكير ما اصطلح عليه بـ عصر النهضة وحتى بداية العقد الأول من الألفية الجديدة.
من العام 2010 وحتى العام 2020 لم تزد سلحفاة الوعي المعرفي من سرعتها بالمرة – هذا شيء ينسجم تمامًا مع قوانين التطوّر الحضاري – لكنها أصبحت تسير بمُحرّكات جمعية وكبيرة هذه المرة.
لقد اندمجت -لكن بشكل مُشوّش وغير مُنظّم حتى هذه اللحظة- مقولتي الصيرورة العقلية والسيرورة التاريخية، في الروح الكُليّة للأمة العربية، وأصبح المجال العام كُلّه مفتوحًا – من قبل الجميع وإن بمستويات مختلفة – على سجالات غير مُتناهية حول النواظم الأساسية التي شكلّت الاجتماع السياسي العربي وأحالته إلى ما هو عليه، مع إمكانية زحزحة تلك النواظم وإزاحة تمظهراتها الخارجية بالتالي. [تجليّة التشويش ونقله من حالته الضبابية إلى أفق التفلسف الحضاري].
أية إمكانية كانت لولادة فلاسفة أثينا الكبار: “سقراط” – “أفلاطون” – “أرسطو”؟
مناقشة الأفكار الكبرى في الشارع العام، وفقًا لـ “كارين آرمسترونغ”.
أتلمس ألم “محمود محمد طه” وهو يُواجه مصيره الفردي الذي صُنع له من قبل مرضى الحقيقة، إذ كان عليه أن يُضحّي بجسده الهشّ مقابل وعيه المعرفي القوي. لكن لا يمكن لألمٍ بهذا الحجم أن يضيع على المستوى الجمعي. صحيح أن السلحفاة تسير ببطءٍ شديد يُشْكِلُ أحيانًا حتى على أصحاب العقول الكبيرة، لكنه سير واثق، مُنْتِج، يتحقّق في الأخير.