د. أروى الحواري .
منذ القدم والإنسان يفكر باختراع يحاكي العقل البشري في نمط تفكيره يساعده في شتى مجالات الحياة، فحاول العديد من الكتّاب وصنّاع الأفلام ومطوّري الألعاب إيجاد تفسير منطقي لمفهوم الذكاء الاصطناعي.
ففي عام 1872، تحدث ” صموئيل بتلر” في روايته ” إريوهون “عن الآلات والدور الكبير الذي ستلعبه في تطوير البشرية، حيث كان الذكاء الاصطناعى آنذاك حاضرًا فقط في الخيال العلمي؛ فتارة يتم شرح الفوائد الإيجابية والإنسانية المشرقة على البشرية، وتارة أخرى يتم التطرق للجوانب السلبية المتوقعة منه.
وفي عام 2018 كانت النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي، حيث نمت هذه التكنولوجيا بشكل متسارع؛ فخرجت من مختبرات البحوث وروايات الخيال العلمي، لتصبح جزءً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ففي مقال نُشر لبراد سميث الرئيس والمدير القانوني لشركة مايكروسوفت؛ بيّن فيه أنّ العالم كان وما زال يعاني من أزمات مستمرة من الكوارث الطبيعية والإنسانية، وتسعى العديد من المنظمات للتعامل مع هذه الكوارث، ولا يزال عملها في نطاق ضيق، ووفقاً لسميث فإن الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، بالإضافة الى الخبرة المتمثلة في العلوم البيئية؛ ستساعد على إنقاذ المزيد من الأرواح وتخفيف المعاناة من خلال تحسين طرق التنبؤ وتعزيز وسائل التعامل مع الكوارث قبل أو بعد وقوعها.
ومؤخرًا أطلقت مايكروسوفت برنامج “الذكاء الاصطناعى من أجل الأرض“ AI for Earth“ ؛ يهدف لحماية كوكبنا من خلال استخدام علم البيانات، وتبلغ مدة البرنامج خمس سنوات بتكلفة 50 مليون دولاراً؛ يعمل على نشر خبرة مايكروسوفت في مجال البحث والتكنولوجيا في تقنيات الذكاء الاصطناعى في القطاعات الأربعة الرئيسة وهي: الزراعة والمياه والتنوع البيولوجي وتغير المناخ.
وأعلنت كلّ من مايكروسوفت وناشونال جيوغرافيك عن شراكة جديدة تدور حول التحديات البيئية الكبيرة من خلال استخدام قوة الذكاء الاصطناعي، وقد ساعد برنامج “منح الابتكار في الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض، الذي تم إطلاقه حديثاً والبالغ تكلفته 1.2 مليون دولاراً، بتقديم منحاً لـ 11 شخص من صانعي التغيير؛ بهدف دعم مشاريعهم المبتكرة في مجالات الزراعة والمياه والتنوع البيولوجي وتغير المناخ.
كما تم تطبيق البرنامج على ذوي الاحتياجات الخاصة لتمكينهم من الاستقلالية والإنتاجية، فتم تطوير برمجيات خاصة لفاقدي البصر من قبل ساكيب شيخ، وهو مهندس برمجيات فقدَ بصره في سن السابعة، وهو الآن يكرّس نفسه لاستخدام التكنولوجيا بمساعدة تطبيقات مايكروسوفت للخدمات المعرفية والتعلم الآلي؛ لتمكين الأفراد المصابين بالعمى أو ضعف الرؤية من القدرة على استكشاف العالم من حولهم عن طريق استخدام تجربة صوتية ثلاثية الأبعاد.
ومن أجل دعم الفئات المهمشة في المجتمع؛ عقدت مؤخراً مؤسسة سيج شراكة مع معهد مدينة سول للعدالة الاجتماعية في جنوب إفريقيا؛ بهدف إطلاق برنامج rAInbow؛ يعمل على مساعدة ضحايا العنف الأسري، وقد وقع الاختيار على جنوب أفريقيا لأنها تتصدر أعلى قائمة الدول من حيث معدلات قتل الإناث في العالم.
فنحن اليوم أمام حقبة جديدة تعرف بإسم الثورة الصناعية الرابعة، هيئت لنا فرصة كبيرة لإعادة تشكيل الطرق التي ندير بها بيئتنا اليوم، حيث يتم تسخير قدرات الرقمنة والتحولات المجتمعية من أجل حل المشاكل البيئية وخلق ثورة في مجال الاستدامة. فنحن نعيش في فترة استثنائية غير مسبوقة من التاريخ، وحان الوقت لجعل الذكاء الاصطناعي يأخذ دوراً ريادياً في خدمة الإنسانية وإنقاذ كوكبنا.