جسدَ معالي “سلامة حماد” في مسارَه الحياتي صورة الطموح الأخلاقي النبيل القائم على الجهد والمثابرة ، والإلتزام الوطني منذ أن أمنَ مبكراً أن قيمةَ الإنسانِ محصلة لأعماله ومِرآة لأعتراف الآخرين بما أنجزه على المستوى العملي وعبر عنه سلوكآ وقيمآ.
أدرك معاليه أن المعرفةَ سبيل التطور والأرتقاء ،تكشف للإنسان عن قدراته وتوسع عالمه، وتقترح أحلامه، وتقوم بتنظيمها، ولهذا انتسب هذا المواطن الأردني المتميز إلى مدارس عمان وأنجز فيها مرحلته الثانويه مبتعدآ قليلآ عن “الرميل” مكان ولادته، كما لو كان يسيرُ وراءَ هدفٍ اختارته إرادته الحديديه وصمم على تحقيقه.
وهذه الإرادةُ الطموحة التي إذا اصطدمت بعائق تجاوزته هي التي قادته إلى ما بعد عمان، فالتحق بكليةِ الحقوقِ في جامعةِ بغداد وحصل منها على بكالوريوس في الحقوق عام 1969 ، ترجم في ذلك رغبته الذاتية والوطنية، إذ في (الحقوق) معرفة تمكن من التعرف على حقوق الآخرين والدفاع عنها، بقدر ما هي مدخل موائم للاندراج في جهاز الدولة الأردنية ، والمساهمة في بناء وطني أساسه الوعي الصحيح بدورِ الدولةِ في قيادةِ المجتمع وتنظيم علاقاته الاجتماعية.
وربما يكون في دراسة الحقوق التي أقنعت معاليه بالسفر من الأردن إلى العراق ما يفصح عن شخصيته التي جمعت بين المعرفةِ والتنظيم والاكتشاف ، ويقينه بأن العلم أساس الإدارة ،وإن الإدارة المتعلمة تطرد الخطأ وتستضيف الحق والصواب.
وبقدر ما دفعه خياره الذاتي والوطني للمجىء إلى عمان، والتوجه تاليا نحو بغداد فأن هذا الخيار الواعي لأهدافه اخذ بيده بعيداً إلى باريس العاصمه الفرنسيه ‘مدينه النور” كما كان يقول المثقفون العرب في زمن مضى، ومع أن صفة النور تطلق أحلامآ كثيرة فإن معالي سلامة حماد قصدها ملبياً أحلامآ خاصة به ترجمها “بدبلوم المعهد الدولي في باريس عام 1974” أراد به المشاركة في تحديث دولته الوطنية ذلك أن المعهد الدولي يمد تلاميذه بمعارف تحتاجها الدول جميعآ.
وكشأن كل باحث صادق يعطف الجديد الذي تعلمه على معارفه السابقة في انتظار معرفةٍ جديدة تفضي إلى غيرها قصد معاليه جامعة السوربون الفرنسية الشهيرة وإحدى الجامعات الأكثر عراقة بين جامعات العالم حيث حصل منها على “الدبلوم الأول في الادارةِ المحليه” عام 1976.
كان بإمكانه وهو الذي ولد جنوب العاصمة عمان في لواء “الجيزة” أن يكتفي بدبلوم المعهد الدولي وأن يفتخر بأن ابن “الرميل” الذي ولد عام 1944 وصل إلى باريس وتعلم في معهد راقٍ من معاهدها ،ولكن التحدي الذاتي المستمر الذي لازم حياته حرضه على استكمال ما أقتنع بضرورة استكماله ، ذلك أن في علم الاداره المحليه اعلانآ عن غيرة وطنيه وعن حماس يرفض العفوية البسيطة في العمل ولا يقبل بعادات الإدارة التي تميل إلى الركود ولا تنتبه إلى التمديد والتجدد.
لم يرى هذا الإنسان المثابر الذي ينتمي إلى قبيلة بني صخر التعليم شأناً مدروسا يستقر في الكتب ولا يعرف طريقه إلى الواقع ولا طموحا ذاتيا فقيراً يحتفل “بالشهادة العليا” بل أراد أن يطبق علم الإدارة على قضايا المجتمع الأردني وأن إصلاح الظواهر السلبية يحتاج إلى خبرة متعلمة وأن المعرفة التي لا تختبر في الواقع الحياتي لا ضرورة لها.
برهن هذا المسؤول الوطني الذي في إرادته أبعاد من اسم عائلته أن “الصخر” كلمة وصفة إنسانية وأن قيمة العلم من المتعلم ذاته فالإنسان النزيه تطوره معارفه وتطور خبراته المعارف التي حصل عليها،
كان معاليه ولازال إنسانا نزيها ، بقدر ما برهن أيضا أن حياة المواطن الصالح إرتقاء وصعود فالإنسان الذي لا يتطور لا خير فيه ، وفي مسار صاحب المعالي ما يدلل على حياة تنكر المراوحة وتسير قدماً إلى الأمام كما لو أن الصعود المفيد صفة أساسية من صفات هذا الأردني النبيل الذي شق حياته من صخر ومعرفة وإرادة.
وتشهد المناصب الإدارية التي تقلد بها معاليه على وحدة الكفاءة والصعود وتكامل الطموح وإتقان العمل ، فقد تسلم في باكورة المسار الوظيفي مهامه ” مدير ناحية ” في وزارة الداخلية ، تلاه منصب مدير قضاء ومتصرف لواء العقبة ومن ثم استحق رتبة ومنصب مدير مديرية الجنسيه والأجانب تبعه محافظ ومشرف على الإنتخابات النيابية وتكلل مشواره بمنصب وزير الداخلية لأكثر من مرة عرفانا وتقديراً بعظيم المنجز الذي قدمه للوزارة .
ترجمت مناصبه المتتالية المتصاعدة الاختصاص الذي أمن به “علم الإدارة المحلية” الذي جعل من الشأن الداخلي مركزاً له والذي مارسه في وجوهه المختلفة ، وأثبت كفاءة شهد عليها ارتقاؤه المستمر في وظائفه حتى بدا ثابتا من ثوابتِ وزارة الداخلية ينكر الخطأ ولا يساوم الإ على الصواب ويطبق القانون بلا مساومة أو تفريق ، مدركآ أن احترام القانون من علامات المجتمعات الناجحة ، معاليه كان ولا يزال يعترف بقوة القانون وفلاحه، ويعرف أن مجتمع المواطنين الصالحين يقوم على تطبيق القانون وتثبيته.
لا غرابة أن يصبح المسؤول النزيه الذي ولد في جنوب العاصمة وزيرا للداخلية مرات متعاقبة 1993_1995، وبين 1996_1997 وأن يعود إلى منصبه بين 2015_2016، وان يستأنف وظيفته بين 2016_2017 وأن يرجع إلى مكانه 2019 إلى الآن، ويشهد تواتر المنصب الإداري على إنسان مسؤول يتقن عمله ويستحق الاحترام وعلى أردني وطني غيور فالوزارة عبء قبل أن تكون أمتيازاً. ووزارة الداخلية مسؤولة عن البلاد والعباد تحفظ الأمن وتزود عن صورة الدوله وتهجس بأرواح المواطنين وإذا كان العدل أساس الحكم فلا سلطة عادلة الإ بمواطنين متساوين الحقوق فإن الأمن صنو العدل ونظيراً له .
وعي معالي سلامه حماد دلالة الأمن الوطني واحتفى به بشكل عادل انتبه إلى المسموح والممنوع وطبق القانون على جميع المواطنين وحظي بالتقدير وحسن السمعة فصورة المسؤول الوطني من أعماله وأعماله المسؤولة ضمان تقديره وثبات صورته، الذي يترجم إنسانا واثقآ بنفسه، واضح الإرادة والقرار يحترم التعاليم ولا تنقصه المبادره تلك المبادرة المسؤولة الصادرة عن خبرة متراكمة ومعرفة حديثة واسعة ،أيضا عن ثقة منقطعة النظير به فلو لم يصبح في عمله الإداري الطويل ما أصبح عليه لما عهد إليه بوزارة الداخلية مرات متتالية وما أوكلت له أهم اختصاصات العمل العام .
ينتمي معاليه إلى مقولة الموظفين الذين تستدعيهم الضروره الذين تحضر قاماتهم عاليه في أزمنة (الأزمات ) أو في أوقات توحد بين قدسية الواجب والقدرة على القرار بقدر ما توحد بين الإنسان الوطني الذي يرى مصلحة وطنه لا مصلحته الذاتية، والموظف الكفؤ الذي يطبق معارفه بشكل وطني وينتزع احترام مراجع متعدده.
ترجمت شخصية معالي سلامة حماد تمازجا متوازنا بين الإنسان الطموح الذي لم ينسا من أين جاء والمثقف الوطني الذي لا يفصل بين المعرفه والواقع الأردني والإداري المخلص لضميره واعراف مجتمعه؛ وتاريخ الوطن الذي ينتمي إليه، مما جعل منه مسؤولاً ضرورة يلبي طموحه وهو ينجز مهامه الوطنية ويحققها وهو يتأمل ما يحتاجه وطنه ويجتهد في تحقيقه حريصاً على الصواب والأخذ به، كما لو كان شابا مجددا تعلمه خبرته ولا يقصر في صقل خبرته المتراكمة .
في ما أنجزه معاليه ما يلفت النظر ويستحق الدراسه وُلِدَ خارج عمان ووصل إلى مركزها ودرس في مدارس المملكة وحمله طموحه إلى جامعة السوربون وبدأ بوظيفة تحولت إلى وظائف وجاء شابآ من بني صخر وغدا وزيراً غير مره تفخر بوجوده الحكومات المتعاقبة، وارتبط بعشيرة شهيرة عريقة قدم في هذا المسار نموذجاً وطنياً يحتذى به وقدوة لكل شاب يتطلع إلى النجاح وحياة خصيبه جديره بالدرس والتعرف والحوار.
جسد معالي سلامه حماد فضيلة الطموح وقوة المثابرة برهن أن قيمة الإنسان من فعله، وان الإنسان الفاعل مخلص لوطنه وعشيرته وذاته وان الإنسان الوطني المنتمي لأرضه وقيادته يبدأ من الإخلاص وينتهي إليه.
بقلم الدكتور صلاح الحمايدة