بقلم الصحفي : هشام عودة
١٩٣٨ – ٢٠١٤
أربع مدن تركت أثرها الواضح في حياة المهندس جعفر طوقان ولن تغادر ذاكرته بسهولة ، القدس حيث مسقط الرأس ، نابلس بيت العائلة الكبير وملعب الطفولة ، بيروت الجامعة واختيار رفيقة العمر ، وعمان الاقامة والابداع والحياة الاجتماعية.
من حقه ان يجاهر بانتسابه لوالد ، لا يشبه غيره من الاباء ، اسمه ابراهيم طوقان ، غير ان المهندس جعفر يكاد لا يتذكر الكثير من ملامح الشاعر الكبير الذي ملأ فضاء الوطن وشغل الناس في سنوات التصدي للهجرة الصهيونية الى فلسطين ، فمات الوالد ولم يكن الطفل جعفر قد اكمل شهره الاربعين ، الا ان الوالدة سامية عبد الهادي ظلت حريصة على غرس الكثير من القيم التي آمن بها زوجها في وعي الطفل وهو يحث خطواته نحو الرجولة.
كيف كان يتصرف المهندس جعفر طوقان وهو يستمع على سبيل المثال الى نشيد موطني ، هل كان يبحث عن حصته الشخصية في هذا النشيد الذي ظل جامعا للعرب عبر ثلاثة ارباع القرن ، ام يذهب لتوظيف نتائجه في حياته التي ظلت هادئة ؟ هي اسئلة افتراضية ، لكن المهندس الذي ترك الكثير من بصمات الجمال على واجهات مباني عمان والمدن العربية الاخرى ، استند على تراث والده في فهم الجمال والتعبير عنه ابداعيا .
يقع اسمه بين ابراهيمين ، فهو ابن ابراهيم وابو ابراهيم ليظل شاعر فلسطين الكبير حاضرا في بيت جعفر ، اسما وشعرا وجمالا وموقفا .
في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ، يوم كانت بيروت حاضنة للوعي القومي ، حط جعفر قدمه على عتبة الجامعة الاميركية ليدرس الهندسة ، وربما بدأ الابن في البحث عن آثار والده الذي سبقه للدراسة في الجامعة ذاتها قبل ثلاثين عاما .
وإذا كان الاب قد فشل بالاقتران بزميلته بالجامعة ماري الصفوري لاسباب عديدة ، فان الابن نجح في ذلك ، واكملت معه زميلته السيدة إحسان ديباجة مشوار حياته .
كان جعفر اثناء دراسته الجامعية منحازا لافكاره القومية العروبية ، حيث كان المد القومي على اشده في تلك السنوات ، وكثيرا ما ردد على مسامع زملائه في بيروت بعضا من قصائد والده ، حيث تعرف عن قرب على بعض الاماكن التي ألهمت الاب الشاعر بعض قصائده . وتتلمذ جعفر على يد كبار المهندسين المعماريين من العرب والاجانب ، وكانت بيروت انطلاقته الكبرى نحو هذا العالم العابق بالجمال ، واستهوته العمارة العربية الاسلامية ، ما فرض عليه التوقف مليا امام فن العمارة في بغداد ومصر والمغرب العربي ، ليتمكن المعماري الشاب من تطوير ادواته ، وتقديم لون جديد من العمارة يحمل بصماته ورؤيته ، ما زال شاخصا للعيان في بيروت وعمان والكويت وغيرها من دول الخليج العربي.
اضافة للسيدة سامية عبد الهادي ، التي نذرت نفسها لتربية جعفر وشقيقته عريب ، فان ابني الشاعر ابراهيم طوقان حظيا بام اخرى ، هي عمتهما الشاعرة فدوى طوقان ، التي حرصت على رد بعض الجميل الذي في عنقها لشقيقها الراحل ، فرأت في ابنائه ابناء لها ، وفردت عليهما ظلال محبتها.
شركة هندسية كبرى تحمل اسم “جعفر طوقان” في عمان تمد اذرعها داخل الاردن وخارجه ، بعد ان عمل سنوات عديدة في بداية حياته تحت مظلة الاخرين ، وصار بامكانه منافسة كبرى الشركات المتخصصة في العمارة لتقديم بصمات الجمال التي تسر من يراها وهي منتشرة في مناطق عديدة من الاردن.
اكثر ما يزعج المعماري الفنان اضطراره للتعامل مع رأسمال جاهل ، لن يكون قادرا على فهم ما يجول في رأس المهندس وما يمكن ان تلد على يديه من افكار خلاقة لا تعترف بسطوة رأس المال.
المهندس المعماري الذي ولد على مقربة من المسجد الاقصى مطلع عام 1938 ، حين كان والده مديرًا للقسم العربي في اذاعة القدس ، ما زال يتذكر بيت العائلة الكبير في نابلس ، ويتذكر معه حارة الياسمينة وسوق البصل والصبانات العتيقة التي اعطت المدينة بعض سماتها ، ويعرف الذين كانوا يزورون ابا ابراهيم ان الكنافة النابلسية تظل ابرز مفردات الضيافة الدافئة في بيت نابلسي عريق
وحاز في مسيرته المهنية على عدد من الجوائز العالمية تقديرًا لإبداعاته في العمارة العربية الإسلامية،في الخامس والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٤ فاضت روح المهندس جعفر طوقان إلى بارئها عن سبعة وسبعين عامًا في عمان ودفن فيها