بلكي نيوز – بورتريه
فوز الدين البسومي
(1936 – 2014)
يمكن تصور حجم الدهشة التي سيطرت على وعى ذلك الشاب وتفكيره، وهو يستقل الطائرة ضمن الوفد الإعلامي المرافق للرئيس جمال عبد الناصر قي طريقه لحضور مؤتمر باندونغ عام 1955، المؤتمر الذي أسس لولادة حركة عدم الانحياز.
لم يكن ذلك الشاب فوز الدين البسومي قد تجاوز التاسعة عشرة من عمره، ولم يكن مقتنعا بعد بإمكاناته الصحفية التي تؤهله لحضور مؤتمر بهذا الحجم السياسي والدولي، وهو يرى إلى جانبه في تلك الرحلة التاريخية صحفيين لهم تجربتهم الكبيرة مثل علي أمين وإحسان عبد القدوس وأنيس منصور وإسماعيل حبروك وغيرهم، ورغم انه كان اصغر الصحفيين سنا، وربما اقلهم خبرة وتجربة، إلا أن الشاب المندفع تعرف إلى الرئيس اليوغسلافي تيتو، وأجرى حوارات صحفية مع الزعيم الهندي جواهر لال نهرو والزعيم الاندونيسي احمد سوكارنو، قام بنشرها في جريدة الجهاد المقدسية التي أوفدته لهذا المؤتمر، ليتم تعيينه بعد هذا الحصاد الصحفي مندوبا مقيما للجريدة في عمان .
فوز الدين البسومي المولود في مدينة الرملة عام 1936، مع بداية الثورة والإضراب الكبير في فلسطين، يعرف أن مسقط رأسه قد ارتبطت تاريخيا بالخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك الذي قال لها قومي، فقامت مدينة لاحتضان طلائع جيش الدولة الأموية، وقد تسببت النكبة عام 1948 في تشريد البسومي وعائلته مشيا على الأقدام إلى رام الله، ومن ثم إلى عمان .
ضيق ذات اليد الذي عانت منه العائلة بسبب قسوة ظروف اللجوء، حال دون إكمال الطفل فوز الدين دراسته، ليكتفي بما درسه في مدارس الرملة التي أنهى فيها صفه الابتدائي الخامس، ليلتحق مبكرا في سوق العمل، من بائع للصحف إلى كل عمل يمكن أن يعود عليه ببعض القروش.
درس على نفسه، وبهرته في تلك السنوات مجلة الرسالة التي واظب على قراءتها، بعد أن بدأ بحفظ القران الكريم ، الذي جاء لسببين، احدهما انتماؤه المبكر لجماعة الإخوان المسلمين الذي حدث عام 1950، وثانيهما رغبته في تطوير ثقافته وملكته اللغوية، حيث نشرت له جريدة فلسطين المقدسية أول مقالاته في زاوية كان يكتب فيها ابرز كتاب وسياسيي تلك المرحلة ، ليبدأ بعد ذلك النشر في جريدة الجهاد .
في عام 1959 اتخذ الشاب فوز الدين البسومي قرارا مهما، انعكس على مستقبله المهني، حين قرر البحث عن طريقه يكمل فيها تحصيله العلمي، بعد أن تأكد لديه أن الشهادة مهمة في تحديد مساره الصحفي اللاحق، فوجد نفسه يطرق باب مكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الخالق حسونة الذي تعاطف معه، وأرسله ليكمل دراسته على نفقة الجامعة في مركز”سرس الليان”بمحافظة المنوفية ويحصل منه على دبلوم في العلوم الاجتماعية، وأثناء إقامته في القاهرة عمل في جريدة أخبار اليوم التي يرأس تحريرها مصطفى أمين حيث كلفه بمتابعة أخبار الجامعة العربية .
صحف ومجلات عديدة من التي كانت تصدر في تلك الأيام عمل فيها “أبو العبد” الذي التحق عام 1965 بصحيفة المنار، وبقي فيها حتى تم دمجها مع الجهاد لتصدر عنهما في آذار 1967 جريدة الدستور، الذي يفاخر البسومي بأنه كان الموظف الأول فيها و استمر كاتبا وصحفيا في الجريدة، حتى بعد إحالته على التقاعد .
ويستطيع هذا الصحفي النشيط أن يجاهر بالقول انه كان واحدا من قلة قليلة في العالم، حين استطاع اختراق الأسوار السميكة والبوابات المغلقة لجمهورية ألبانيا في السبعينيات، وإجراء حوار مع رئيسها أنور خوجا، كما كان قد أجرى من قبل حوارا مع الزعيم البلغاري الشيوعي ديمتري جيفكوف.
وإذا نسي فوز الدين البسومي فإنه لن ينسى موقف الرئيس الراحل ياسر عرفات ، الذي أمر بعد أن قرأ العديد من الحكايات التي كان ينشرها أبو العبد في الدستور عن ذكرياته في الرملة، ببناء خيمة على مدخل الجسر يقيم فيها فوز الدين البسومي لمقابلة القادمين والمغادرين من الضفة الغربية وتسجيل حكاياتهم، واستمر مقيما في خيمته حتى قامت معركة الكرامة في 21/3/1968، ليقوم الرئيس عرفات بعد ذلك بطباعة حكايات البسومي في كتاب صدر في بيروت عام 1974 تحت عنوان “من الرملة إلى الكرامة” وفي العام نفسه قامت حكومة ألمانيا الشرقية بنشر الانطباعات التي سجلها البسومي أثناء زيارته لبرلين التي استمرت ثلاثة أسابيع في كتاب حمل عنوان “الطريق إلى برلين”، فيما صدرت له مجموعة من الكتب بعد ذلك هي أيام العز، الوطن أولا وأخيرا، والنحت في الذاكرة.
ويقول أبو العبد انه يحتفظ بعدد كبير من الرسائل التي تلقاها من مسؤولين ومواطنين أثناء عمله الصحفي الممتد منذ بداية الخمسينيات، وان بعض الذين كتبوا في صفحة القراء منذ منتصف السبعينيات صاروا كتاب أعمدة بارزين وأدباء معروفين ورؤساء تحرير صحف، وتربطه بهم علاقات طيبة.
يتذكر أبو العبد جيدا أسماء رؤساء التحرير والصحفيين الذين عمل معهم في المسيرة الطويلة، ويذكرهم بالخير، وفي عام 1964 أكمل نصف دينه حين اقترن بسيدة نابلسية من عائلة زعيتر المعروفة، صار اسمها “أم العبد” حيث أنجبا ثلاثة أولاد وبنت واحدة، لم يتجه أي منهم للعمل الصحفي.
وفوز الدين البسومي عضو مؤسس في نقابة الصحفيين، وعضو مؤسس أيضا في رابطة الكتاب، وعمل سكرتيرا لتحرير مجلة طريق السلامة ورئيسا لتحرير مجلة عين، وينظر إليه زملاؤه على انه ذاكرة حية لا تشيخ، وانه مثل السمكة التي لا تقوى على العيش خارج مياه “الدستور ” الصحفية، وكثيرا ما وقف أبو العبد محاضرا في كليات الصحافة في الجامعات الأردنية عن تطور الصحافة المحلية، ليقدم خلاصة تجربته الطويلة للأجيال الشابة، وهي تقرر اقتحام عتبة مهنة المتاعب.