(1948 – ….
هشام عودة
إذا كان المثل الشائع يقول إن لكل إمرئ من اسمه نصيباً، فإن القول الذي يمكن أن ينطبق على الدكتور وليد سيف هو، لكل إمرئ من عام ولادته نصيب، فقد ولد في عام النكبة 1948، وظلّ مثل هذا التاريخ يلاحقه في مسيرته التي توجها بإبداعات متعددة، لعلّ “التغريبة الفلسطينية” أكثرها شهرة، وهي العمل الدرامي الكبير الذي أرّخ للقضية الفلسطينية، ثورةً ونكبةً ولجوءاً.
ولد على أطراف مدينة طولكرم، حيث تنتمي عائلته لبلدة ذنابة، ورأى الحد الوهمي الفاصل بين شطري الروح، وقال ذات مرة إن المنطقة التي تقع على مرمى بصره أنجبت الأنبياء والملوك والشعراء.
كل الفرقاء الذين اختلفوا على مواقف كثيرة في تحليل النكبة وتداعياتها، اتفقوا على الرؤية التي قدمها الدكتور وليد سيف في تلك التغريبة، ويجمع الذين يتابعون أعماله الدرامية أنه أبدع في إعادة كتابة التاريخ بما يخدم الحاضر، ويستشهدون بعدد كبير من المسلسلات التلفزيونية ذات البعد التاريخي من بينها الخنساء، شجرة الدر، المعتمد بن عباد، صلاح الدين الأيوبي، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف، صقر قريش، وغيرها، حتى يكاد يكون متخصصاً في كتابة الدراما التلفزيونية في إطارها التاريخي.
كان على مقاعد الدراسة في الجامعة الأردنية عندما أصدر أولى مجموعاته الشعرية “قصائد في زمن الفتح” عام 1969، ولما يبلغ الحادية والعشرين من عمره، ليتبعها بعد عامين بمجموعته الثانية “وشم على ذراع خضرة”، ويصدر في العام 1980 مجموعته الثالثة والأخيرة “تغريبة بني فلسطين”، وهي المجموعة التي أسقط عنوانها على مسلسله ذائع الصيت “التغريبة الفلسطينية” الذي كان اسمه قبل ذلك الدرب الطويل.
الذين درسوا المشهد الشعري في الأردن، يؤكدون أن الدكتور وليد سيف أحد أبرز أسماء جيل السبعينيات في القصيدة المعاصرة في الأردن، وأن دراسات نقدية عديدة تناولت تجربته الشعرية، سواء في إطارها الخاص، أو في إطار الشعر المقاوم بشكل عام، لكن أصدقاءه يقولون إن الدراما سرقته من الشعر، وصار يكتب مسلسلاته ومسرحياته بلغة الشاعر ووعي المفكر ورؤية المؤرخ.
كتب القصيدة والمقالة والدراسة والمسرحية وغيرها، وله دراسة عن مقاومة التطبيع، فيما أثبت من خلال “ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ” أنه كاتب مسرحي متمكن من أدواته الفنية.
حصل على درجة الدكتواره في اللسانيات من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن عام 1975، ليعود أستاذاً في الجامعة الأردنية التي تخرج فيها، لكنه غادر عمله بعد ثلاث سنوات ليتفرغ لكتابة الدراما، ويرتبط بعلاقة مهنية قي ذلك الوقت مع شركات الإنتاج السورية.
الأستاذ الجامعي الذي تعرّف جيداً إلى أسرار الدراما التلفزيونية، أصبح في العام 1987 مديراً للإنتاج التعليمي في جامعة القدس المفتوحة، وقدّم من خلال وظيفته عدداً كبيراً من المواد التعليمية المسجلة تلفزيونياً لطلبة الجامعة، كما عمل لسنوات في إذاعة وتلفزيون العرب A R T، وبعدها في قناة إقرأ، من دون أن يؤثر ذلك على إنتاجه الإبداعي الذي أغنى مسيرة الدراما العربية.
هادىء، مثقف يثير كثيراً من الأسئلة في الوسط الذي يتحرك فيه، دون أن يكون مضطراً لتقديم إجابات مباشرة، تاركاً للوعي فرصة اكتشاف الحقيقة من خلال ما يقدمه من وثائق تعزز مكانة رؤيته الدرامية المنحازة دائماً للوطن والأمة، والذاهبة إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي في زمن مليء بالتناقضات.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، لكن قصائده غابت منذ زمن بعيد عن عيون أصدقائه الذين رأوا في ما يقدمه من دراما تعويضاً عن ذلك الغياب، وقد نال في مسيرته الإبداعية عدداً من الجوائز من بينها جائزة عرار وجائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي التي تمنحها رابطة الكتاب الأردنيين.