بقلم : د. عائشة الخواجا الرازم
لست متأكدة من أن سمعتنا السياسية والاقتصادية الاستثمارية باتت مهمة ، ولا أدري بالتحديد من هي الجهة العليا المسؤولة عن ضبط بياض أو سواد جبين الوطن ، والتي تحدد انجراف الخلل في السمعة الوطنية عند كوارث العبث ( الفساد ) !
انا أتحدث بكل ألم عن هوية مفترض فيها استقرار واتزان إدارة قوية حكيمة مستورة ، وربما في مفهومي مصطلح الستر يحوي بين جنباته الكم العظيم من ( حنكة وحكمة وقوة الاحتكام للضبط ) والضبط العادل عند كبار العقول في السر ، أشد وأنفع من الضبط القانوني في العلن .
فدولة شريفة المحتد ، ورايتها من خير نسيج الصابرين الكرماء جامعة لا مشتتة ، لتاريخ مجدها رافعة على أسوار منيعة لأمتها مانعة ، دولة اسمها الأردن ، يسعى حكيمها في دروب الكون نازف الحنجرة والفؤاد ، مروجا عارضا منتج بلده ( الملموم على صورة بأجمل إطار في تاريخ الشعوب ) وأقصد الكثير من سيرة الشرفاء ومكنوزات السياحة ( المرغوبة رغم حجم قبضة القلب النابض بالأمل فقط . حيث الأعادي وشراسة التأهب الصهيوني الذي لايقيم وزنا لأحد .
يدور هذا الرجل بين العالمين في أصقاع البلاد ليجذب الاحترام وثقة العباد ، ثم يهب العالم مصفقا للبضاعة الرابحة في الكلام . فالكلام الرائج الواقع في صدور الناس ويصدقونه ، لا يصدر عن مخزن فارغ ، بل عن مخزن ثري بالمكنون الفكري والثقافي والأخلاقي والإنساني . وفي مفهومي أن أعظم مردود لرواج بضاعة الملك هي السمعة .
والسمعة هي الربح الوفير وفاتحة الطريق للنفير . والسمعة هي سمعة ( التجيمع وليس التفريد ) وفي حال هبوب الرغبة الحقة بالوصول للمأمول ، وكسب ثقة الآخر ليمد يده آمنا مطمئنا ليدك دون ارتعاش ، وشكوك بك وتصغير لحجمك ودون بنود تعجيز تندف تبن الحصيدة أخضرها من سنابلها ويابسها ، فالسمعة المستوحاة من دربها البشري وبعض عصبة من الشخوص الثقات الناجحين بعظمة الأمل والعمل هي رأس مال الوطن . وبما أن السمعة الجامدة المادية (والمنقولة غير المنقولة ) إن وجدت ، لا تجدي نفعا لو تحدث عنها وشهد لها العالم دون أصحابها ومحركيها ، فلا جدوى من سمعة جماد طالما هزمنا وكشفنا ستر العباد .
ولو تم استعمال ادوات القوة في ميزان العدالة ، وتم استخدام الحرص المكثف لتحقيق الحق والمطلوب من حقوق يعتقد أنها مسلوبة بغير وجه حق ، مثل التهرب الضريبي والعطاءات الوساطية والأموال المخفية وسوء العمل مثلا والمصنعية ، دون تعرية الأشخاص المشهورين المعروفين برفد ( موانيء الحركة الاقتصادية البناءة ) لتم الاستدراك والاحتياط لسمعة البلد كاملة ولسمعة الاستثمار وترويج قدرة الشخوص على أمان أموال الآخرين.
هؤلاء الذين تمضغ الأسنان الآكلة لحومهم ، هؤلاء الرجال الذين كانوا أول أمس محط ثقة ونزاهة وتفوق الرموز الاستثمارية في البلد ، أصبحوا اليوم وبشحطة قلم فائض النزاهة ، أصبحوا لقمة تتلقفها الأفواه لتتحدث عن نكهتها فرحة بالشر والفضيحة وسوء الخسارات ، أصبح هؤلاء في خبر كان من مساهمة وتطوير وحراك اقتصادي وسياسي أيضا ، وقد كانوا اول أمس يشكلون مسيرة استقبلت بحار الثقة الفائضة بهم ، وعمت براهين ومؤشرات النجاح فأسهموا بالحضور والتأثير والتأثر في الوطن وبين الشعب .
وتم نشر أجسامهم على حبال الفضائح ، و قبل إثبات كامل الجرم .
كأننا لا نسعد ولا نتفيأ جلسة متعة إلا بإسعاد من حولنا بأخبار تلطيخ سمعة الوطن .
أقول : سمعة الوطن ، ولا أركز على سمعة شخوص فقط ، فهؤلاء الذين نتربص بهم اليوم ونخف عظامهم بسكاكين أظافرنا ، اخترقت سمعة تأثيرهم المتفوق الناجح حدود وطن حبوب بحجم كفة ميزان الحاجة للعمل الصالح وكل رجل ساهر فالح .
فسمعة الوطن من سمعتهم .
إذن لا انفكاك بحسن وستر السمعة ، بين ضرب الوطن تحت سرته وضرب شخوصه الطوال القامات تحت الأحزمة
يناورني ألف سؤال حارق منذ سنوات : لماذا يراد لمكافحة الفساد أن تنجح وتثبت قدرتها وقوتها من خلال الفضح والكشف والتعرية ؟ والإعلان والمؤتمرات الصحفية والتصريحات ثم لماذا لم يتمكن أصحاب السلطة القوية من استعادة المنهوب المهول لخزانة الأمة ؟ حتى الآن ؟
الا يرعوي الرجال الرجال الحكماء بوطن الصابرين من قصص حدثت مع رجال كبار ، تشوهت سمعتهم فخسر الوطن ثقة العالم ؟ وهبطت محصولات التعامل لانعدام الأمان الاستثماري ؟ فبات الراغب بالاستثمار يقدم خطوة ويرجع قافلا ، لأنه ما أن ينوي بعد فضيحة فساد وتستريح الذاكرة ويعود المتهمون لبيوتهم ، يجرجرون خيبة البراءة الواهية ، حتى يطل مفضوحون جدد على الميدان ، وكلهم سبحان الله من الفرسان .
ثم لو كان فعلا في الحالات نهب وسرقة وفساد ؟ ألا يكون من المربح والمجدي اضعاف اضعاف التحصيل طالما يشرع القانون استعادة المنهوب وإجراء التسويات لصالح الخزينة ؟
ألا يكون الستر الجميل الربحان أفضل الهدايا لوطن مستهدف لو تم استثمار الملفات والتحقق مع أصحابها ، وتحصيل الوخري والبدري بطرق القانون والعدالة والصرامة القابضة .؟
هل عبارة ( لا احد فوق القانون ) يكون مردودها مشرفا وعظيما ومربحا؟ عند تجريد هؤلاء من صفاتهم الاعتبارية المدخرة للوطن والناس ولأنفسهم وعيالهم ونفوسهم حينما تنكسر ؟
هل نحن في سباق ومنافسة شرسة لإظهار كمية الفساد والسرقات والخيانة المالية في الوطن ؟
أم نحن في سباق إقناعي محموم للشعب وللملك ، بأننا يقظون لكشف أوراق نزاهتنا في وظائفنا ومناصبنا الأمنية والمعلوماتية والمكافحاتية
أما وقد تلمسنا فقدان النهوض المادي وشحدنا ، ومددنا أذرعنا للقاصي والداني وفي كل عبارة نكرر ( البلد محدود الموارد ) في محاولة للنفاذ سوى غرقى يتنفسون لا بل وأمسكنا بتلابيب الفشل والنكوص والخسران (التجاري المادي الاقتصادي الاستثماري ) على مدى عقود ناشفة ، فقد أدركنا أننا وأصبحنا لا نملك من جرة القروش شروى نقير ، ولم يرسب في قعر الزير سوى بقايا حب وتعاطف وتحنان وقليل بذور القمح والشعير ، وهذا بالنسبة لنا ربح وفير حيث بركة تكافل الناس ، والحلم برفع راية الأمل ورفع الراس .
وأتحدث عن سمعة مأمولة طيبة مثلا بين البشر ، فبدون السمعة هذه لا يظل الكثير من التقدير ، والكل يعلم أن لا احترام ولا ولوج لتعاون أو تشارك يدعم الديار ولا استثمار .
لأهوج كل يوم يطل على الفضاء بفضائح فساد لعلية قوم وضع فيهم الثقة بلا حدود .
لمستفرد بفضائحه وغزواته ولا أتحدث عن نوعية السمعة الوطنية أمام العالم ، هانت وتهون السمعة الوطنية امام العالم ، والعالم يتأمل باستغراب بحجم الفساد في بلد صغير مجند الهوية الشريفة للخير والتصدي للشر .
وضمن فضائح لشخصيات كبيرة ( تنظفت شكليا ومظهرا ) بقرارات البراءة او عدم المسؤولية ، بعد طس الفاس بالراس ، يتضح بأن فلسفة :
( افضح وافرح ) هي قاعدة مستوحاة ومستولدة من قاعدة أخرى اسمها ( يفضح ولا يسطح ) بغض النظر عن الكم المهول من الخسارات للقاعدة الأخطر والأعظم ، الا وهي ( الثقة والاعتبار ) !
قد عادت لم تكن أبدا جادة متمتعة بالمصداقية ، وأعتقد أن أفلام ومسلسلات الاستثمار والاستقطاب الاقتصادي قد ضربت تحت الحزام بالكمال والتمام .
وبالفعل يتضح كل فترة بأن أهم كنز للوطن يتشوه بجرة قلم دون تمحيص وروية ، ألا وهو السمعة !
لا أقصد فقط السمعة الذاتية ، فالسمعة الذاتية والسيرة الشخصية تشرخ وتكسر ولن يرممها لاصق ، والمضاعفات والخسائر والجراح المحفورة يتلهى بها القاصي والداني . ويستمتع بها الناطر لسقوط الواقفين ، ويضيف عليها سعادته بالممزوجة بالشماته المحفوفة بالحسد ، فتتوارثها الأوراق والتواريخ ، وتبقى للشخوص والذوات علامات من الفوارق تتناقلها الأفواه المفغورة !
المهندس الفاسد وأخوته الفاسدون ليسوا أفرادا نكرات ، إنهم ( معرفات ) …والمعرفات هذه عملت وكدت وبذلت ثم انتشرت على مدى خمسين عاما دون تكاسل أو هجرة عقول أو أدوات أو آليات متحركة ، جمعت أنظار واهتمام الخارج والداخل الاستثماري ، وكونت سطور هوية سياسية ممزوجة بالاحترام والثقة لكيان اسمه ( الأردن ) في وطن يبني مداميكه بجهود وتضحيات رموز صابرة !