أ د صلحي الشحاتيت
لا تزال المرحلة التعليمية الثانوية العامة في الأردن على مفترق طرق بالنسبة للطلاب والطالبات؛ فمن خلالها يحدد الطالب ميوله ورغباته ويبدأ برسم مستقبله العلمي. ومن هذا المنطلق جاء اهتمام المسؤولين في التربية والتعليم بهذه المرحلة فتشعب منها عدد من الأنظمة والقوانين التي تحكمها، ونظرًا لوجود طلب مُلِح من خريجي المرحلة الثانوية العامة للإلتحاق بالتعليم الجامعي؛ أصبح من الضروري إيجاد معيار إضافي يُعتمد عليه في انتقاء طلبة التعليم الجامعي أسوةً بالعديد من الدول، وخاصةً أنه لوحظ في الآونة الأخيرة ظهور العديد من المؤشرات التي تؤكد ضعف أداء الطلاب بصفة عامة.
فمن المفارقات الغريبة أن بعض الحاصلين على نسب عليا في الثانوية كانت معدلاتهم منخفضة في التحصيل الجامعي في السنوات الماضية، فهل يكمن الخلل في عقل الطالب؟ أم في البرنامج التعليمي؟ الذي عوّد أبناءنا على عملية تلقين التعليم، وليس عملية الفهم والاستيعاب، ثم الوصول لمرحلة الربط والاستنتاج والتفسير. فالإشكالية هنا لا تصبّ في الطالب وحده فهو جزء مهم وحيوي في العملية التعليمية؛ إنما تتمحور حول المنظومة التعليمية ككل.
من هنا وجب تقديم حلول شاملة متكاملة لقياس المعارف والمهارات والقدرات وتقويمها بمنهجية صحيحة وضمن برامج عالمية متفق عليها؛ اسهامًا في تحقيق العدالة والجودة، وتلبية الحاجات التنموية التي هي أساس العملية التعليمية، ومن الحلول التي لجأت إليها الكثير من الدول العربية والغربية: اختبارات قياس القدرات أو «إختبار قدرات القبول»، وهو اختبار قبول موحد للكليات في الجامعات، يتقدم إليه الطلاب والطالبات بعد اجتياز المرحلة الثانوية؛ يهدف لاكتشاف مدى توافر القدرات التي يحتاجها الطالب للنجاح في التعليم الجامعي، ليتجنب التعثر وغيرها من المشكلات الناتجة عن ضعف القدرات المتعلقة بالتعليم، بالإضافة إلى عملية المفاضلة بين المتقدمين للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي من حيث أهليتهم العلمية، والعمل على تقليل عدد الطلاب المتحولين من تخصص لآخر داخل المؤسسة التعليمية الواحدة أو بين المؤسسات الأخرى؛ وذلك بسبب إخفاقهم المستمر في التخصص لعدم توافق أهليتهم العلمية، كما يسهم في الحد من نسب الرسوب في المقررات الدراسية والتأخير.
ومن جهة أخرى إنّ تبصّر الطلاب بطبيعة قدراتهم الدراسية، وتبصّر الجامعات بفرص نجاحهم وخاصة تلك التخصصات التي تشهد تنافسًا عالمياً؛ يُسهم في أهليتهم في اختيار التخصص الذي يتوافق معهم، فينعكس ذلك بصورة إيجابية على مخرجات التعليم؛ لذا وجب أن يكون اختبار القدرات العامة أحد شروط القبول في مؤسسات التعليم العالي في الأردن، ويستهدف طلاب المرحلة الثانوية ويقيس القدرات التحليلية والاستدراكية لدى المتقدمين، والقدرة على تفسير العلاقات المنطقية.
يوجد العديد من التجارب العربية والغربية لهذه الاختبارات، حيث عزمت العديد من الدول على تطبيق هذا النظام على طلاب المرحلة الثانوية لديها، منها عربياً: السعودية، ويشرف على هذا الاختبار المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، وغربياً: امريكا حيث يتم إجراء العديد من الاختبارات منها :(Scholastic Assessment Test) (SAT)، ويعد من أشهر اختبارات القبول للجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى العديد من الاختبارات التي تقوم بها الجامعات الامريكية لقياس مدى إتقان الطلاب لمجالات معرفية معينة مثل:اللغة الإنجليزية، التاريخ، الرياضيات، وأخيراً العلوم للجامعات التي يرغبون التقدم لها. وتدور أسئلة الاختبارات هذه حول المفاهيم العامة المتعلقة بالمناهج الثانوية، ولكن تتعدد أنواع الأسئلة من عام إلى عام تبعًا للحاجات والضرورات الملحّة. بالإضافة إلى اختبارات القبول التي تعدّها الجامعات الاسترالية، حيث تقوم الهيئة الاسترالية للبحوث التربوية (Australian Council for Educational research – ACER) وهي هيئة مستقلة غير ربحية، بإعداد اختبارات القبول في الجامعات. إضافة إلى العديد من الدول التي تقوم بهذه الاختبارات ( بطارية اختبارات)، منها: الصين، كوريا، تركيا، هونغ كونغ وغيرها من الدول.
فالدارس والباحث في النظام التعليمي الأردني يرى حاجة مُلِحة لوجود مثل هذه الاختبارات قبل انتقال الطلاب للمرحلة الجامعية؛ ليسهم في المفاضلة العادلة بين الطلاب والطالبات، والعمل على زيادة الوعي لديهم، مما يحثّهم على الجد والاجتهاد في التحصيل، كما يسهم في الإعتماد على المخرج التعليمي؛ فيكون هو المقياس وليست الدرجة التي يحصل عليها الطالب من المدرسة، والتي قد لا تمثل المستوى الحقيقي له، والجدير بالذكر أن اختبار الثانوية العامة لا يقيس إلا التحصيل الدّراسي، فثمة عوامل أخرى تؤثر في صلاحية الطالب للدراسة الجامعية؛ لذلك وجب إعادة النظر في تلك المسألة، وإضافة اختبار قدرات القبول؛ لتحسين مدخلات التعليم الجامعي ومخرجاته بشكل عام، بما ينعكس على المجتمع ككل.