بلكي نيوز – كاتيا يوسف – لندن
رغبة أميركية متصاعدة في الدفع ناحية العمل العسكري ضد العراق لإجباره على الانسحاب من الكويت، في ظل محاولات سوفييتية فرنسية لإتمام الأمر عبر المفاوضات، لكن ضغوطاً مالية عانى منها اتحاد الجمهوريات السوفييتية جعلته متمسكاً بشراكته مع الولايات المتحدة وفق ما تكشف عنه دفعة جديدة من وثائق “شراكة غورباتشوف – بوش” في مرحلة حرب الخليج الأولى 1990، جرى الكشف عنها قبل أيام وتضم جانباً من نقاشات وخطط ما قبل حرب تحرير الكويت.
- تشرح وثائق “شراكة غورباتشوف – بوش في مرحلة حرب الخليج الأولى 1990″، كيف انضم الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف بشكل تدريجي، إلى الرفض الأميركي لعدوان صدام على الكويت (وقع في 2 أغسطس/آب من عام 1990)، بالرغم من اعتراضاته المبدئية على استخدام القوة في الخليج خلال خريف عام 1990، وما جرى في الأثناء من جمع تمويل للحملة الهادفة إلى إخراج العراق من الكويت بقيمة 50 مليار دولار، بينما لم يحظ الاقتصاد السوفييتي المنهك بأي مساعدة.
وكشف معهد أرشيف الأمن القومي الأميركي (مؤسسة بحثية مستقلة وغير ربحية) في 10 أغسطس/آب 2020، عن 22 وثيقة متباينة في المحتوى والتصنيف بين سري وسري للغاية بعد مرور 30 عاما على الغزو العراقي للكويت.
الخوف من تردد غورباتشوف
تبدأ الوثائق بمقتطفات من يوميات أناتولي تشيرنيايف كبير مستشاري السياسة الخارجية لغورباتشوف، (1990)، تناول فيها أزمة الخليج، والتي وضعت الاتحاد السوفييتي في سياق اضطرابات سياسية واقتصادية غير عادية قبل تفككه بوقت قصير. قائلا في 11 أغسطس/آب: “بينما كانت الأزمة في الخليج تتطور. كنت خائفا من أن يتردد غورباتشوف في إدانة صدام بحدة. لحسن الحظ كنت مخطئا”.
في وقت لاحق، كتب تشيرنيايف الملاحظات نيابة عن الجانب السوفييتي في قمة (بوش وغورباتشوف) التي جرت بهلسنكي في 9 سبتمبر/أيلول، (كان نظير برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي في الجانب الأميركي)، ويوضح تشيرنيايف القرار الأساسي الذي اتخذه غورباتشوف: “بغض النظر عن اتجاهات بريماكوف (يفغيني بريماكوف عمل رئيسا لمصلحة المخابرات الخارجية التابعة لوكالة الاستخبارات السوفييتية المعروفة باسم الـ كيه. جي. بي) وميتران (الرئيس الفرنسي)، فإن غورباتشوف يرى بشكل معقول أنه لا يمكننا الانفصال عن الأميركيين، بغض النظر عن مدى رغبتنا في تجنب الحرب”.
يتابع: “في قمة هلسنكي، منح غورباتشوف بوش الحد الأقصى مما يريد في مواجهة العراق، حتى بشكل غير متوقع من دون انتظار اقتراح الرئيس الأميركي، وكاد يقنع بوش بضرورة ربط التعامل مع صدام حسين بالقضية الفلسطينية”.
ومما جاء في المقتطفات، أن غورباتشوف لم يعِد بتوفير طائرات لنقل القوات السورية إلى المملكة العربية السعودية، بل أجاب عن هذا السؤال بالقول: “لاحقا”، فسأله، شيفرنادزه (إداورد شيفرنادزه وزير خارجية الاتحاد السوفييتي) “متى”؟ ليرد: “لسنا بحاجة للمشاركة”.
وتحدث تشيرنيايف عن طلب غورباتشوف من جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي، خلال النقاشات التي تمت لمواجهة ما قام به صدام حسين، قرضا يتراوح بين مليار إلى مليار ونصف المليار دولار مع سداد خلال خمس سنوات. لكن بيكر قال إن الأمر لو كان بيده شخصيا فسيوافق، غير أن القانون لا يسمح بذلك، ولا بد من العودة إلى الكونغرس”.
تأثير العلاقات الشخصية على موقف البلدين
كان للعلاقات الشخصية تأثير واضح على التقارب ومن ثم الشراكة السوفييتية الأميركية، بشأن قضية العراق في أغسطس وسبتمبر 1990. وهو ما يبدو في علاقات إدوارد شيفرنادزه وزير الخارجية الروسي، ونظيره الأميركي بيكر. والمصادفة أن أنباء الغزو العراقي وصلتهما عندما كانا معا في إيركوتسك (مدينة في روسيا) لإجراء محادثات. والعامل الثاني كان شعور شيفرنادزه بالخيانة، بعد أن كذب عليه المسؤولون العراقيون بشأن نوايا صدام، وإحساس بيكر بالصدمة، إذ لم ير أي من محلليه (ولا من الكويتيين) الغزو قادما. أما العامل الثالث فكان انتقال طريقة تفكير إدارة بوش، من الرد الأولي الفوضوي الذي تمحور حول ضمان استمرار إمدادات النفط، إلى تركيز أكثر تنسيقا ضد العدوان العراقي.
وتقدّم الوثائق، البيان المشترك التاريخي الذي قرأه بيكر وشيفرنادزه، في مطار فنوكوفو بموسكو في 3 أغسطس 1990، والذي يدين غزو العراق ويتخذ الخطوة المتمثلة في الدعوة المشتركة للمجتمع الدولي إلى قطع دولي لجميع إمدادات الأسلحة إلى العراق. حيث كان الأميركيون قد اقترحوا البيان وكتبوا مسودة أولى مع مساعد شيفرنادزه، سيرجي تاراسينكو، وذلك للانضمام إليهم في نقطة قطع إمدادات الأسلحة عن العراق.
وكان غورباتشوف قد وافق على الفكرة من حيث المبدأ، لكنه ترك مسألة التفاوض مع المعارضة الداخلية في الاتحاد السوفييتي التي انتقدت هذا الموقف، لوزير خارجيته. وفي النهاية أخذ شيفرنادزه، على عاتقه الموافقة على قرار حظر الأسلحة عن العراق
الرد الأميركي الأولي على الغزو العراقي للكويت
هذا هو أول رد فعل أميركي على الغزو العراقي للكويت، إذ اجتمع مجلس الأمن القومي الأميركي، في 2 أغسطس 1990، (المصدر مكتبة بوش الرئاسية)، ودار الحديث عن كيفية إضعاف القوة الاقتصادية والعسكرية للعراق. إذ قال نيكولا بريدي وزير المالية، إن: “العراق من دون البترول، لن يكون لديه مصدر للأموال، لكن إذا تمكنوا من بيع النفط الكويتي فهناك مشكلة… وأضاف: “أن اليابان تحصل على 98 بالمائة من وارداتها من هناك. إنهم يحتاجونه في اقتصادهم كل يوم. الفكرة ستكون إيقافه… وهذا سيؤثر على المال الذي سيحصل عليه العراق”.
ويكمل جون كيلي وزير الدولة: “يمكننا أن نطلب من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما زيادة الإنتاج”.
وبحسب المصدر ذاته، قال جون إيست وزير الطاقة آنذاك، إن إنتاج النفط من العراق والكويت يبلغ 4.8 ملايين برميل يوميا. لديهم قدرة إضافية 6. 2 مليون. إذا أوقفنا إنتاج العراق والكويت، وللإبقاء على إنتاج ثابت في جميع أنحاء العالم. يوجد 3.3 ملايين برميل فائض في المملكة العربية السعودية. هناك فرصة مثيرة للاهتمام ينبغي مناقشتها.
وتشير الوثائق إلى أن برينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي، كتب في وقت لاحق عن الاجتماع، لافتاً إلى تعليق مدير ميزانية بوش، ريتشارد دارمان: “هناك فرصة للدفاع عن المملكة العربية السعودية، إذا فعلنا كل ما هو ممكن، في ما يتعلق بتحرير الكويت، أشعر أنه لا بد أن تكون استجابتنا حازمة. نحن بحاجة إلى إظهار القيادة، وإلا ستكون هناك عواقب على المدى الطويل. هذا يشبه الصراع في الخليج العربي عندما دعمنا العراق. إنه نفس المبدأ. لم يكن التزامنا كبيرا خلال الحرب العراقية الإيرانية، لكنه كان مهما في حماية المنطقة”، لذا تركزت المناقشة حول الخيارات العسكرية، ومن اللافت للنظر أن سكوكروفت يقول “السعوديون قالوا لا للدعم الجوي الأميركي التكتيكي ـ TACAIR” – وكان هذا قرارا سيعمل بوش على تغييره”.
ووفقا لما جاء في وثيقة حول نقاش بوش ورئيسة الوزراء البريطانية تاتشر في 3 أغسطس 1990 (المصدر مكتبة بوش الرئاسية، مذكرة محادثة هاتفية Memcons وهيئة تنظيم الاتصالات Telcons)، فقد أبدى الرئيس الأميركي قلقه من رفض 7 دول من أصل 21 شجب غزو العراق للكويت، ويقول كنت على تواصل مع بندر هنا (يقصد السفير السعودي في واشنطن) خوفي من أن الخلافات هذه تقدم فرصة لصدام حسين”. ويشكك بوش في أن “إداورد شيفرنادزه (وزير خارجية الاتحاد السوفييتي) قال إن لديه تأكيدات من العراقيين بأنهم سيعودون للوراء”
نقاط ضعف العراق وقوته
اجتمع مجلس الأمن القومي الأميركي للمرة الثانية في 4 أغسطس 1990 وركز الاجتماع الذي عُقد في مقر الرئيس بكامب ديفيد، على الخيارات العسكرية للرد على الغزو العراقي للكويت. ويتحدث الجنرال هربرت نورمان شوارزكوف قائد قوات التحالف الدولي ضد القوات العراقية، في ما بعد، ضمن ما جاء في الوثيقة ذاتها المصنفة سرية للغاية، عن أن العراق يملك أكثر من 1100 طائرة، وجيشا من 900 ألف مقاتل، و5700 دبابة وكمية كبيرة من السلاح، لكن القليل منها عالي التقنية، وقد نُشرت صواريخ سام حول المدن الرئيسية مثل بغداد، محددا نقاط القوة في الأعداد والخبرة وبعض الأسلحة الحديثة، وقال إن ضعفهم يتمثل في منظومة القيادة والسيطرة والاعتماد على قطع غيار الأسلحة المستوردة من الخارج وقلة الخبرة الهجومية.
وأوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال كولن باول، في الوثيقة التي يرجع مصدرها إلى “مكتبة بوش الرئاسية، مجلس الأمن القومي، ملفات ريتشارد ن. هاس”، الأهداف التي سيتم العمل بموجبها، قائلا إنه ينبغي أولاً الدفاع عن المملكة العربية السعودية، ضد احتمال استيلاء صدام على حقول النفط. وثانياً يجب بناء الأساس للقيام بعملية مستقبلية في الكويت، من خلال تحريك أعداد من القوات الأميركية والقوة الجوية لقواعد في السعودية.
وقال بوش: “ما يقلقني هو الافتقار إلى الإرادة السعودية، وأنهم قد ينسحبون. نحتاج أن نسألهم”. وهو ما فعله بوش في وقت لاحق من ذلك اليوم عبر مهاتفة الملك فهد.
الملك فهد: “صدام يشبه هتلر”
اتصل الرئيس بوش بالملك فهد عاهل السعودية أولاً في 2 أغسطس 1990 (المصدر: مكتبة بوش الرئاسية ومذكرة محادثة هاتفية Memcons وهيئة تنظيم الاتصالات Telcons)، لسماع آرائه. وكان سعيدا عندما تحدّث الملك فهد بلغة قوية، تشبّه صدام بهتلر، وقال: “لا أعتقد أن شيئا سينجح مع صدام سوى استخدام القوة، إنه مغرور. لا يدرك تداعيات أفعاله التي تزعج النظام العالمي. يبدو أنه يفكر في نفسه فقط. إنه يتبع هتلر في خلق مشاكل للعالم مع اختلاف واحد، أحدهم كان مغرورًا ، وواحد مغرور ومجنون. أعتقد أن لا شيء سيكون فعالا مع صدام غير استخدام القوة، قلت لصدام إننا لن نقبل الحكومة المعلنة من قبله في الكويت. لا نعرف أي شخص في الكويت يوافق على إزالة الحاكم الشرعي. هذا غير مقبول”.
لكن عندما ذكر بوش إرسال القوات الجوية الأميركية للدفاع عن المملكة العربية السعودية “TACAIR” من غزو عراقي محتمل، تروّى الملك فهد وقال دعونا نتحدث عن هذا بعد غد فقط، بعد أن تتاح للدول العربية فرصة للمناقشة والتوصل إلى بعض الإجراءات المشتركة. وتركت هذه المحادثة بوش قلقا من احتمال عدم قبول السعوديين للقوات الأميركية على أراضيهم.
وبعد اجتماع مجلس الأمن القومي الصباحي الذي تناول بالتفصيل الخيارات العسكرية الأميركية وخطط البنتاغون في 4 أغسطس، اتصل بوش مرة أخرى، بالملك السعودي وقال إنّه مستعد لإصدار تعليمات للجنرال باول لبدء نشر قوات في المملكة”. لكن العاهل السعودي الذي يبدو أنه لم يكن على علم بذلك، أكّد باستمرار، أنه فهم أن فريقا من الأميركيين في طريقه للعمل على “الترتيبات الخاصة” بالطائرات والقوات الأميركية، قبل الموافقة على نشر أي قوات. لكن بوش ألحّ على الحاجة إلى التحرك بسرعة قبل أن يستولي صدام على حقول النفط والمنطقة الشرقية. ولفت إلى أنّ مواقف بعض العرب، خيّبت أمل الكونغرس الأميركي ومؤسسات أخرى. فأجاب الملك فهد: “أنا أقدّر ما قلته. البعض يرتقي إلى مستوى التحدي والبعض الآخر يسقط عندما تكون الأمور صعبة”.
غورباتشوف يدعو للخيار العربي بدلاً من الأميركي
في حديث آخر بين غورباتشوف والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، (المصدر: مذكرة غورباتشوف مع وزير الخارجية السعودي الأمير الفيصل، موسكو، 17 سبتمبر 1990، مؤسسة غورباتشوف) اتفق الطرفان على الإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وجدول زمني لتبادل السفراء ومناقشة الخيارات المختلفة، لإجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت. وحاول غورباتشوف إقناع الفيصل بأن “الخيار العربي” سيكون أكثر فاعلية، وأن الخيار العسكري من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة، وأنه لا ينبغي دفع صدام إلى الزاوية. وسأل غورباتشوف السعوديين عما إذا كانوا يعتقدون حقا أن هناك خطر غزو عراقي للسعودية، فأجاب الأمير بأنهم “تلقوا معلومات استخبارية حول تمركز القوات العراقية بقصد غزو أراضينا”. واقترح غورباتشوف أنه على الرغم من أن الأهداف الفورية يجب أن تكون انسحابا عراقيا، إلا أنه يجب أيضا معالجة مشاكل الشرق الأوسط الأخرى.
ويتابع: “إذا دفعت العراق إلى الزاوية، وحاولت أن تجعله يجثو على ركبتيه، فقد يفعل شيئا متهورا. من المهم عدم السماح للجماهير بالشعور بأن صدام حسين بطل، أو شهيد عظيم. هذا سيجذب الكثير من العرب إليه. وهذا من شأنه أن يبرر المغامرة التي قام بها في بلده، وسيقولون إنه لم يبق سوى الدفاع عن العراق والأمة العربية”.
وفي سياق المحادثة مع الفيصل يتحدث غورباتشوف قائلا بثت إحدى الإذاعات الغربية اليوم تقريرا يفيد بحدوث مشاجرة بين صدام حسين وابنه وتبادل لإطلاق النار نتيجة لذلك، وأن صدام أصيب في ذراعه. ويُزعم أن الابن موجود الآن في المملكة العربية السعودية. هل سمعت هذا؟ وردّ الفيصل لا أعتقد أن لهذا أي أساس في الواقع […]”.
تباين المواقف الفرنسية السوفييتية والبريطانية الأميركية
تكشف محادثات بوش – غورباتشوف في قمة هلسنكي قبل 30 عاما ، ونقاشاته الهاتفية مع رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، بالإضافة إلى نقاشات غورباتشوف مع ميتران والتي وردت في الوثائق السوفييتية المترجمة حديثًا، تباينا في المواقف، إذ دعم البريطانيون الموقف الأميركي، بينما مال السوفييت والفرنسيون إلى المفاوضات.
وتكشف وثيقة من مؤسسة غورباتشوف، بعنوان “نقاشات مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، ورئيس الوزراء روكار ووزير الخارجية دوما، باريس ، 28-29 أكتوبر 1990″، عن اقتراب مواقف الزعيم السوفييتي و القيادة الفرنسية، إذ يناقش القادة الفرنسيون والسوفييت برقية بريماكوف التي وصلت لتوها من بغداد والتي يتحدث فيها عن بعض التقدم المحدود في محادثاته مع صدام. ويعتقد ميتران أن الموقف الأميركي والبريطاني لا يسمح لصدام بأي فرصة “لحفظ ماء الوجه” وسيؤدي بالضرورة إلى الحرب ما لم يتم منح مزيد من الوقت للمفاوضات.
ويقترح ميتران مرحلتين من المفاوضات: واحدة قصيرة الأجل والأخرى طويلة الأجل، بحيث “تركز المفاوضات، على وجه الخصوص، على التنازلات المحتملة للعراق، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، أمن الخليج، والتنقيب عن النفط، بهذه الطريقة، سيهدأ غرور صدام حسين”. عندها ستشمل المرحلة الثانية من المفاوضات مشاكل أكثر عمومية للشرق الأوسط، وأهمها المشكلة الفلسطينية من دون ارتباط وثيق بالانسحاب العراقي.
ويميز ميتران بين الموقف الأميركي والبريطاني من ناحية، وموقفه وموقف غورباتشوف من ناحية أخرى، بينما يصر غورباتشوف على وحدة الموقف الغربي في ظل رؤيته للشراكة مع الولايات المتحدة كمفتاح لنجاح إصلاحاته الدولية والمحلية، لكنه يوضح أن هدفه النهائي هو منع استخدام القوة.
غورباتشوف يحذر من تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة
في أعقاب غزو صدام حسين للكويت، انخرط غورباتشوف شخصياً في التعاطي الدبلوماسي مع قادة الشرق الأوسط، مؤكداً، من ناحية، على قربه من بوش وموقف الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، كان يحاول تفادي الانزلاق إلى حل عسكري للأزمة.
وبحسب مذكرة سجلت نقاش غورباتشوف مع الرئيس التركي تورغوت أوزال مؤرخة في 25 أغسطس، 1990 وكشفت عنها مؤسسة غورباتشوف، فقد أوضح الرئيس السوفييتي للرئيس التركي تورغوت أوزال، إن الموقف السوفييتي يؤكد مطالبة العراق بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن، لكن الاتحاد السوفييتي “ينصح شركاءنا الأميركيين بعدم الخضوع لأي استفزازات وعدم التورط في أي نوع من الأعمال العسكرية التي قد تكون لها عواقب وخيمة”. ويعرب أوزال عن أمله أنه “في هذه الساعة الحرجة لا يزال من الممكن حل هذه المشكلة من دون صراع عسكري”.
ولم يحد غورباتشوف عن موقفه الرافض للحل العسكري، في حديثه إلى أحمد عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصري بعد يومين، حول الرد العربي على الغزو العراقي للكويت، إذ قال غورباتشوف، إنه يجب تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بصرامة، وأنه يرى فرصة لإيجاد حل أكثر شمولاً للشرق الأوسط بما في ذلك “المشكلة الفلسطينية”. وطرح بعدا جيوسياسيا لخطورة تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة، قائلا: “إذا لم نفك العقدة الكويتية وحدثت إعادة تجميع القوى في المنطقة، سيعزز الأميركيون مواقعهم. وهذا سيعقد تأسيس عملية السلام في الشرق الأوسط”.
اتفق مجيد على أهمية عقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط، وقال: “هذا هو القضية الرئيسية بالنسبة لنا، وسنبذل قصارى جهدنا لحلها”. وأخبره أن الرئيس مبارك “انزعج وحزن للغاية” من تصرفات العراق لأن صدام حسين، أكد له في يوليو قبل أيام فقط من الغزو أنه لم يكن ينوي غزو الكويت، والرئيس مبارك نقل هذا لأمير الكويت ولملك السعودية، ورد غورباتشوف هذا غدر بكل بساطة. لكن السياسة هي السياسة. يجب تنحية المشاعر جانبا والبحث عن حل منطقي للمشكلة.