بلكي نيوز
انتهت عطلة رأس السنة العبرية والتي بدأت السبت الماضي وتواصلت خلالها يوميا اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى المبارك حيث يتصدى لهم المرابطون المقدسيون العزل والذين يتعرضون لشتى أشكال القمع والعنف على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية التي ترافق أولئك المتطرفين لحمايتهم.
ويقوم المتطرفون اليهود بهذه الاقتحامات بشكل دوري وممنهج ومدعوم من قبل الحكومة الإسرائيلية التي يسيطر عليها حزب الليكود اليميني برئاسة بنيامين نتانياهو المتحالف مع الأحزاب الدينية المتطرفة .
ويستغل المتطرفون اليهود أيام الأعياد الدينية اليهودية وغيرها من الأعياد لتنظيم هذه الإقتحامات وهم يرفعون شعارات دينية متطرفة ويؤدون شعائر تلمودية وهم يجتمعون عند هدف واحد وهو الاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك وهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه. فيما تقوم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ سقوط القدس تحت الاحتلال في يونيو عام 1967 بتوفير الغطاء الأمني والسياسي والدعائي على نحو متدرج وطويل النفس دون إعلان أي ضمانات أو حتى مجرد تلميحات بأن تلك الحكومات تعارض الهدف الذي تعلنه الجماعات الدينية المتطرفة وهو بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
ويبلغ عدد الأعياد الإسرائيلية نحو خمسة عشر عيدا على مدار السنة معظمها أعياد دينية والبقية تتعلق بمناسبات أخرى مثل ذكرى ما يعرف بـ ( الهولوكست) أو يوم الإستقلال ( يوم النكبة الفلسطينية) ..وغيرهما ، بمعنى أن معظم أيام السنة تشهد اقتحامات المتطرفين للمسجد الأقصى المبارك. غير أن اقتحاماتهم الأخيرة اكتسبت بعدا خطيرا يتمثل في تناغم العمل بين الجماعات المتطرفة والعمل السياسي الحكومي الى جانب الغطاء الذي تحاول التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة تمريره وهو ما يعني تجاوز الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة المسجد الأقصى. والتي تم إقرارها في اتفاقية وادي عربة الأردنية الإسرائيلية عام 1994 . وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد إردان قد كشف في أكتوبر الماضي عن النوايا المبيتة تجاه الوصاية الأردنية وقال إن تلك الاتفاقية ” خطأ تاريخي تم ارتكابه ” مستندا إلى قاعدة غريبة وهي أن ” المبادئ تتغير مع الوقت” .
والواقع هو أن الأطماع الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك لم تتوقف منذ اليوم الأول لوقوع القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي . ففي يونيو 1967 اقتحم موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك المسجد الأقصى المبارك مصطحبا معه شلومو جورين حاخام الجيش الإسرائيلي الذي قام بنفخ البوق في طقس توراتي معلنا عودة اليهود الى ” جبل البيت” وإلى أرض اللبن والعسل التي وعدوا بها كما يعتقدون.
وفي نفس الشهر داهمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مقر دائرة الأوقاف الإسلامية بأوامر مباشرة من دايان واستولت بالقوة على مفتاح باب المغاربة المؤدي الى ساحة حائط البراق في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى وسط احتجاجات ومطالبات الهيئات والمؤسسات الدينية والوطنية التي لم تتوقف لاستعادته.
وقد حرصت إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس منذ اليوم الأول للإحتلال عام 1967 على مقاومة تدخل سلطات الاحتلال في أي شأن يتعلق بالمسجد الأقصى ورفضت بقوة محاولة وزارة الأديان الإسرائيلية لإلحاقها بها كما ظلت ترفض أي تواجد للشرطة الإسرائيلية في ساحات وبوابات المسجد الأقصى ،تحت ذريعة توفير الأمن والحماية التي صارت لمرافقة وحماية المتطرفين في اقتحاماتهم واستفزازاتهم لمشاعر المصلين المسلمين .
وتتجه النوايا الإسرائيلية الرسمية إلى فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى ولو بالقوة على غرار ما حدث عام 1994 في المسجد الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل اثر المجزرة التي ارتكبها المتطرف الإسرائيلي باروخ جولدشتاين وراح ضحيتها 29 فلسطينا أثناء تأديتهم صلاة الفجر. وبدلا من معاقبة الجاني فقد عوقبت الضحية حيث فرضت سلطات الاحتلال تقسيما مجحفا للمسجد الإبراهيمي ويمنع المصلون المسلمون من دخوله خلال الأعياد اليهودية وتم إغلاق شارع الشهداء بوجه الفلسطينيين وإغلاق العشرات من المحال التجارية والأسواق في البلدة القديمة من الخليل.
لقد تمكن الإسرائيليون من تسويق مغالطة تاريخية كبرى لدى الرأي العام الدولي والغربي بشكل خاص طيلة العقود التي أعقبت قيام دولتهم عام 1948 وهي أنها دولة مدنية علمانية ديموقراطية فيما تثبت الوقائع عكس ذلك تماما. وهي تكشف حقيقتها بجلاء سافر في اندماج سلطتهم التنفيذية- الحكومة- مع أعتى الجماعات الدينية المتطرفة . وحتى خطط السلام المطروحة حاليا تشير الى المسجد الأقصى تحت تسمية ” جبل البيت ” الأمر الذي يوضح تغلغل الدعاية الإسرائيلية في معتقدات الإنجيليين الجدد الذين يرون أنه لا بد من إعادة بناء ” الهيكل المزعوم ” تمهيدا لعودة المسيح المنتظر وفقا لمعتقدهم.
وتجلى الإندماج الكامل بين المؤسستين الدينية والمدنية مرة أخرى بشكل سافر عندما اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب الليكود اليميني المتطرف ارييل شارون في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000، المسجد الأقصى بحماية آلاف من عناصر الشرطة الخاصة والحراسات الشخصية، وكان آلاف الفلسطينيين في انتظاره، قبل أن يشتبكوا مع قوات الأمن الإسرائيلية ، فسقط العشرات من الجرحى لتندلع على إثر ذلك الانتفاضة الثانية التي أسفرت عن سقوط 4412 شهيدا فلسطينيا وإصابة 48 الفا و322 آخرين، فيما قتل 1069 إسرائيليا وأصيب 4500 آخرون.
وبالتزامن مع ذكرى اندلاع الانتفاضة الثانية تتصاعد اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى فيما يقف المقدسيون يدافعون عن المسجد ويفشلون إجراءات سلطات الاحتلال مثلما أجبروها على سحب الكاميرات والبوابات الألكترونية التي وضعتها عند باب الأسباط في يوليو 2017 في ظل دعم رسمي وشعبي عربي وإسلامي آنذاك.
العرب