بلكي نيوز – آراء حرة
هذا المثل في الحالة الأردنية ماثل ومطبق شعبيا ورسميا بحيث نجد التالي :
في خارج الوطن خرج علينا عدد قليل من الأردنيين الذين هاجروا وأحرقوا سفن العودة للوطن ولكل واحد منهم أسبابه الخاصة ,فمنهم من فر من ملاحقات مالية أو تردي أوضاعه الإقتصادية أو طلبا للرزق ولحياة أفضل أو لإنبهاره بحياة الغرب ومجتمعاته المنفتحة والتي تبيح للفرد كل شيء حتى أن يكون مثليا , ودأبوا عبر وسائل التواصل على لعب دور المعارضة وإدعاء محاربة الفساد في الوطن الذي هجروه ولا ينوون العودة إليه ..؟؟!!
مع الإشارة إلى أنهم جميعهم -من هاجروا إلى الخارج – لم يتعرضوا للإبعاد مثلا أو حتى للمنع من السفر لأسباب (قمعية أو أمنية ) على حد توصيفهم لتعامل السلطات الأردنية مع مواطنيها وتقييد حرياتهم , مما يعني أنهم خرجوا بملء إرادتهم برغم من إدعائهم أنهم كانوا يعارضون ويتكلمون وهم داخل الوطن وهذا فيه تناقض مع ما يصفون ويشيعون عن الوطن وتعامل السلطات مع من ينتقد ويهاجم السلطات العامة ,فلو صدقوا في إدعاء القمع مع كونهم كانوا يعارضون ويحابون الفساد لما إستطاعوا إذا الخروج إلى حيث حطت بهم الرحال ..؟؟؟!!!
وما يعنيني هنا ليس أسباب خروجهم وليس ما يصدر عنهم عبر (البث المباشر أو الكتابة والنشر ) على وسائل التواصل ,بل تفاعل الشارع الأردني مع من يبث ويكتب بزعم المعارضة ومحاربة الفساد من الخارج في مقابل تفاعل نفس الشارع مع ناشطي وسائل التواصل في الداخل ومن يعتبرون معارضة داخلية , فنجد الفيديوهات والإدراجات لهؤولاء في الخارج متابعة ويتم التفاعل معها وكأنها رسائل سماوية لا يأتيها الباطل لا من خلفها ولا من أمامها , وتبلغ المتابعات والتفاعلات حدودا لم يبلغها مشاهير السينما العالمية والعربية ,في الوقت الذي يعتبر الناشط أو الكاتب أو المعارض من الداخل متابع جدا إذا بلغت المتابعات والتفاعلات بضع مئات ..؟؟؟!!!
وبالعودة لعنوان هذا المقال نجد أنه ينطبق على الحالة الأردنية , نصفق للخارج ونتهكم على الداخل , بالرغم من أن من يحاربون الفساد أو من يلعبون دور المعارضين للحكومات وسياساتها ونهجها في الداخل هم أولا في قلب الأحداث وهم من يعيشون الحالة بحلوها ومرها وهم من يتأثرون كأشخاص وتتأثر حياتهم إذا ما أغضب كلامهم وهجومهم على السلطات العامة من يقبعون في مواقع القرار والمسؤولية , وهم بالتأكيد الأكثر دراية بالتفاصيل على الأرض وهم من يتعرضون للمعاناة من الأوضاع والضائقة التي تمر بها البلاد وهم وحدهم في مرمى سهام الفساد وخناجره على خلاف من يتمتعون في الخارج بكل الميزات التي تعطيها تلك المجتمعات التي هم فيها للمواطنين وللمقيمين , مما يعني أيضا أن من يتحدث من الداخل هو الأجرأ والأشجع في محاربة الفساد والفاسدين وليس من أمنوا أدنى الضرر والإضرار بهم ممن يطلون علينا عبر منصات قصف الوطن التي أقاموها في الخارج ” وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ…طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا ” على رأي المتنبي .
كما أن تلك المنصات في الخارج وأبطالها وكما قلت يستقون معلوماتهم عن بعد بالتسريب إليهم كما يقولون هم ويعتمدون على من يزودهم سواء من الداخل أو من الخارج بمعلومات لا تأكيد على دقتها إلا ثقتهم هم بمن يزودهم دون الكشف عن تلك المصادر التي ربما تكون أجهزة إستخبارات لدول أخرى أو عملاء لتلك الأجهزة في الداخل أو الخارج أو أشخاصا لهم مآرب شخصية ومشاكل خاصة مع أسماء وشخصيات أو مؤسسات ولهم مصالح معطلة أو متوقفة , مما يعني أن ما يكيلونه علينا من كم هائل من المعلومات لا سند واضح وموثوق على دقتها ولو بأدنى النسب ,وفوق ذلك فالهجمات التي تشن من الخارج لا تستثني شيئا أو جهة أو شخصا في الوطن ,فهي تحرق الأخضر واليابس ولم يسلم منها العرش ورأس النظام ولم تسلم مؤسسيات الجيش والمخابرات والأمن العام ولم تسلم حتى الرموز الوطنية سواء من رحلوا عن دنيانا أو من تبقوا منهم وإن كانوا قد إعتزلوا العمل العام , بينما نجد أن من يعارضون السلطات في الداخل يقدسون ثوابت الوطن ومؤسساته السيادية والدستورية ورموز الوطن ويستندون عليها جميعها في المقارنة أو المقاربة عند محاربة الفساد والفاسدين ومعارضة السياسات والنهج القائم .
وللأسف الشديد فحتى بعض الجهات الرسمية أيضا داخل الوطن والأمنية منها إنتهجت نفس نهج العوام في الشارع فنجدها تقيم وزنا لمن (يهلفطون ) من الخارج وتستمع بدقة لما يقولون وربما تتفاعل معهم بطرق لا نعرفها لإستقطابهم أو تحييدهم أو إرضائهم , بينما لا سامع لمن يصرخون من الداخل وربما في أحيان كثيرة يصنفون (كمشبوهين ) فيوصفون (بالطخيخة ) أو بأنهم يخدمون أجندات مشبوهة أو أنهم مندسون وما إلى ذلك مما يجعلهم (مغضوب عليهم ) فلا يرفع ظلم عنهم إذا ما تظلموا وأحيانا ’ تتعطل مصالحهم أو تتأخر إذا ما إحتاج الأمر إلى موافقة جهات في الوطن على أي معاملة لأحدهم أو لمن يخصونهم .؟؟!!!
أنا شخصيا لا أكتب ما كتبت أعلاه من باب الترف الفكري أو ممارسة التنظير كما يصف البعض , بل لأنني أعيش هذه الحالة بكل جوارحي ومصالحي وعلى مدى أكثر من خمسة عشر عاما وحتى لحظة كتابة هذا المقال , فبرغم سقوفي التي لا تمس الثوابت الوطنية ومقدسات الأردني وبرغم التوازن والموضوعية في النقد والخطاب وبرغم تطبيقي العملي لما أؤمن به وأقتنع به من سلوك الإنتماء من خلال عملي ومن خلال ما أكتب , وبرغم حرصي الشديد على عدم الخوض في أي موضوع دون تحري الدقة والموضوعية ودقة المعلومة التي أبني عليها آرائي ,وبرغم ما أهذب من الألفاظ وأنتقي من لغة ومفردات عالية وراقية وبرغم ما أجتهد وأثابر عليه من نهج الإيجابية في التعاطي مع الهموم والمشاكل العامة بالنقد لا بالإنتقاد وذلك بالإشارة إلى الخلل مع بيان المقترح أو فكرة الحل وعرضها للنقاش ,برغم ذلك كله فما زلت عند أغلب من يتابعون أو يمرون على صفحتي أحظى بتصنيف (طخيخ) ولعل البعض وإن أبدى إعجابا بإدراجاتي لغيري أو لي مشافهة يقول أنه يخشى التعليق أو وضع إشارة إعجاب على إدراجاتي , كما أنني وظيفيا وإقتصاديا وماديا أرزح كل يوم يمر تحت ضغوط تتضاعف عما يسبقها في اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو السنة التي تمر ,حتى أصبحت مستهدفا من كل فساد أعارضه أو فاسد لا أطاوعه ,ولا سامع لتظلم شخصي أبديه أو تظلم وغيرة على المؤسسة والوطن , وكلما حاولت وضع يدي على جرح في الوطن وفي مؤسستي تعمقت جراحي الشخصية وكلما أشرت بإصبعي على فاسد أو شبهة فساد ردت إلى طعنة في الظهر ووجبة من قهر .
هذا هو الحال وهذه هي الحالة , فمهما عزفنا أجمل الألحان حبا في الأهل والوطن فلا نطرب إلا النذر اليسير ومن هم على أرائكهم في مدن الديمقراطية والأنس أصبحوا (كواكب الغرب ) وقد بزوا (كوكب الشرق أم كلثوم ) إطرابا وتطريبا وبقينا نحن (الصوت النشاز ) .
ومع هذا وذاك وتلك وأولئك فإنني -بعون الله – لن أتوقف عن بر وطني وأهلي ولن أسلم قلمي ولن أغمد حرفي وسأواصل ممارسة حبي لوطني كما تعلمت من قومي “إنتماء لا إرتماء “..!!!
رايق عياد المجالي /ابو عناد