بقلم هشام عودة
رغم انه لم يمارس عمله كمحام منذ سنوات الا ان طاهر حكمت لم يغلق باب مكتبه امام اصدقائه ومريديه ، فهو ابن عائلة ضمت اكثر من محام ، منهم شقيقه بهاء وشقيقته القاضية تغريد ، لكن لقب المستشار ظل يسبق اسمه دائما ، وقد يتغلب احيانا على لقب معالي.
في مدينة معان ، حيث كان والده يعمل ، ولد طاهر حكمت عام ـ1940 وظل مقيما في مدينة الزرقاء التي لم يغادرها رغم كل متطلبات السلطة واغراءاتها ، ففي يوم سابق تولى هذا القانوني المحترف رئاسة بلديتها ، وصار بإمكانه الحديث عن هموم اهلها ومعاناتهم ، رغم ان حياته ظلت موزعة بالتساوي بين عمان والزرقاء.
مثل كثيرا من ابناء جيله شد رحال دراسته الجامعية باتجاه دمشق عام 1956 ، في مرحلة سياسية ربما كانت الأكثر حراكا في الحياة الداخلية السورية ، ومن على مقاعد كلية الحقوق شهد عن كثب ولادة “الجمهورية العربية المتحدة” التي مثلت تحقيقا لحلم اجيال عربية واسعة ، وبالرغم من ان طاهر حكمت قد حافظ على مسافة معقولة بينه وبين دوائر العمل الحزبي والسياسي المباشر ، الا ان وعيه وثقافته وانتماءه وسلوكه لم تغادر دائرة هموم الوطن والناس ، وتخرج محاميا من جامعة دمشق عام 1960 حين كانت سورية تمثل الاقليم الشمالي في دولة الوحدة.
منذ وقت مبكر وجد نفسه في مواجهة مسؤوليات عائلية واجتماعية واسعة ، بعد وفاة والده ، فمن الضروري ان يتقمص الإبن الاكبر دور الاب في غيابه ، ويتحمل طوعيا مسؤولية رعاية اشقائه وشقيقاته.
ورغم انه درس القانون وعمل في حقل المحاماة ، الا ان طاهر حكمت ظل منحازا الى صف المثقفين باعتباره واحدا منهم ، وكثيرا ما تطوع للدفاع عن بعضهم مجانا ، ولذلك لم يكن مفاجئا ان يتم اسناد حقيبة وزارة الثقافة له في حكومتين اردنيتين ، كما تسلم حقيبة النقل وحقيبة العدل في حكومات اخرى.
في حياته الشخصية العديد من المحطات التي يمكن التعامل معها برؤية مختلفة ، فهو يحمل اسما مركبا “جعفر طاهر” فيما كان والده ايضا يحمل اسما مركبا “مصطفى حكمت” ولذلك كان لابد من قرار الاختصار ليكون اسمه سهل التداول على السنة اصدقائه ومعارفه ، ثم ان المحامي الوزير العين القاضي المستشار المحامي المثقف الناشط سياسيا واجتماعيا ، ظل متمسكا “بحريته الشخصية” ورفض الانصياع لقانون الحياة بدخول “القفص الذهبي” ويتم توصيفه بانه احد اشهر العزاب في الاردن ، وهو يضع قدمه على عتبة العقد الثامن من عمره.
تم اختياره اكثر من مرة عضوا في مجلس الاعيان ، وفي مرة سابقة اضطر لتقديم استقالته من عضوية المجلس حين تم تعيينه رئيسا لمحكمة التمييز ورئيسا للمجلس القضائي الاعلى ، ويكون بذلك قد غادر مقعده في السلطة التشريعية ليصبح رئيسا للسلطة القضائية ، وهي مهمة حساسة ظل كثير من اصدقائه ومعارفه يعتقدون انه اهل لها.
منذ اكثر من اربعة عقود دخل المحامي طاهر حكمت بوابة العمل العام ، حين انتخبه زملاؤه المحامون عضوا في مجلس نقابتهم ، وحين شغل موقعه في “الاتحاد الوطني” وكانت له رؤيته القانونية في وظيفة الاتحاد وعمله ورسالته ، وحين تم اختياره عضوا في المجلس الوطني الاستشاري الذي جاء للتعويض عن غياب البرلمان ، او حين تم اختياره عضوا في لجنة صياغة الميثاق الوطني ولجنة الاجندة الوطنية ، وفي كل المواقع التي شغلها هذا القانوني المحترف ظل ينظر الى زوايا المشهد كاملة ، دون ان يذهب الى تغليب زاوية على اخرى ، معتقدا ان انجاز الاصلاح السياسي سيكون رافعة لتحقيق انجازات حقيقية على كل الاصعدة.
رغم خطوط اتصاله الواسعة مع الحكومة ومؤسساتها ، الا ان برامجها لم تسلم من انتقادات طاهر حكمت الذي حافظ على خطوط اتصاله مع شخصيات عديدة محسوبة على المعارضة السياسية ، ولذلك ظل قادرا على قول كلمته في الزمان والمكان المناسبين.
في سنوات بعيدة كان اصدقاؤه يعرفون اين يعثرون عليه ، اذ كان دائم التردد على متنزه الزرقاء ، دون ان تفارق يده جريدة او كتاب ، وتكاد لا تخلو ندوة او ورشة عمل تتحدث عن الاصلاح والديمقراطية ، دون ان يكون طاهر حكمت احد ابرز الموجهين لمسار حركتها.
دراسات وابحاث قانونية وسياسية عديدة تحمل توقيع السياسي الذي حافظ على وظيفته القانونية ، فيما انجز كتابا يتحدث عن دور النخب السياسية في الاردن ، وهو الذي تحدث عنها من داخل زواياها واروقتها التي تعرف اليها جيدا.