مَرَّ العام 2020 ثقيلا وصعباعلى مدينة القدس المحتلة، وسط توقعات بمزيد من المعاناة وعمليات التهويد خلال العام المقبل.
عام شهد ارتفاعا متزايدا للمشاريع التهويدية التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، داخل الأراضي الفلسطينية عموما، والقدس المحتلة خصوصا، منذ الاحتلال الكامل للمدينة المقدسة عام 1967، حيث شهد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على تنفيذ مشاريع استيطانية، واستقدام المئات من “يهود الخارج”، وتضييقا يوميا على المقدسيين، فضلا عن اتساع رقعة تطبيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية الإسرائيلية، مع بعض الحكومات العربية.
بالإضافة إلى تنفيذ عشرات مخططات التهجير القسري، استغلت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الظروف السياسية والأمنية الجارية في المنطقة العربية والإقليمية، إلى جانب حالة العجز السياسي في الداخل الفلسطيني، وواصلت تغيير ملامح المدينة المقدسة، وجعلتها هدفا للسيطرة الكاملة عليها عبر استكمال المخطط الاستيطاني وتوسيعه داخل وخارج القدس شرقا وغربا.
خطط استيطانية
لا يمكن حصر مشاريع التهويد الإسرائيلية بحق القدس خلال عام 2020 ضمن تقرير، بيد أن آثارها على المستوى الديمغرافي والسكاني لضواحي القدس أصبحت تدق ناقوس الخطر لما هو قادم، فقد صادقت سلطات الاحتلال في الأيام القليلة الماضية على تنفيذ 4 مشاريع استيطانيّة جديدة في الضفة الغربيّة، بالإضافة إلى إعلان نيتها المصادقة على بناء 9 آلاف وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة “عطروت” شمال القدس، ومن المقرر أن تقام هذه الوحدات على حساب نحو 600 دونم من مطار القدس الدولي المهجور “قلنديا”.
كما صادق الاحتلال، على بناء ألف و257 وحدة استيطانية في حي “جفعات همتوس” جنوب القدس، استكمالا لمشروع بدأت عليه السلطات الإسرائيلية عام 2007، ضمن خطة بلدية القدس في إخلاء موقع الكرفانات الذي أقيم هناك للمهاجرين الجدد في التسعينيات، وبناء حي يحوي ألفين و610 وحدات سكنية، وهو “ما يعني ضمان السيطرة على القدس أمنيا وجغرافيا لاسيما المناطق الجبلية القريبة من المدينة”.
وشرعت بلدية الاحتلال خلال العام الحالي، بعمليات تجريف وهدم عند مدخل مقبرة اليوسفية، لتنفيذ مخطط مسار “الحديقة التوراتية” داخل”مقبرة الشهداء، خاصة وأنها مقبرة إسلامية تاريخية تبلغ مساحتها نحو 14 دونمًا في الجانب الشرقي من سور البلدة القديمة بالقدس والمسجد الأقصى المبارك، وشمال مقبرة باب الرحمة، وتعد امتدادًا لها بمحاذاة سور البلدة، ويفصلهما باب الأسباط.
وتعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية على جلب ألفي يهودي من طائفة ” الفلاشا” الإثيوبيين إلى الأراضي المحتلة خلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من أبرز ما تضمنته عام 2020 ضمن مخططات الاحتلال لتهويد القدس، في إطار إنشاء مدينة خاصة لهم حول ضواحي القدس المحتلة، وتقديم كافة الخدمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن بين الانتهاكات المستمرة حتى اللحظة اعتقال الأطفال الفلسطينيين المقدسيين، حيث اعتقلت قوات الاحتلال، فقط خلال العام الجاري، أكثر من 400 طفل تقل أعمارهم عن 18 عاما، بالإضافة إلى تجريف مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين دون أية اسباب، وتكثيف الحواجز بين البلدات والمدن والحارات المقدسية، لتقطيع أواصل المدينة ببعضها البعض وتضيق الخناق على حركة المواطنين.
سياسات متعمدة
بدوره، قال المحامي المختص في شؤون القدس المحتلة خالد زبارقة :” إن الممارسات الإسرائيلية بحق المدينة المقدسة ستزداد وتيرتها خلال العام المقبل، لاعتقاد الاحتلال أنها مرحلة ذهبية لتمرير مخططاته وتنفيذ مشاريعه، بعد أن استطاع الاحتلال تطويع بعض الأنظمة العربية”، لافتا إلى أن الاحتلال قد كشف عن مشاريعه الاستيطانية منذ سنوات عدة، حيث لايزال القلق الإسرائيلي من الوجود الفلسطيني المقدسي والذي يقابله بمزيد من السياسات العنصرية الساعيه لطرده.
وذكر المحامي” زبارقة” في حديث مع “قدس برس”، أن خطط الاحتلال في تهويد القدس ليست جديدة بل قديمة منذ بدء سنوات احتلالها، الأمر الذي كان واضحا من خلال تصاعد الممارسات العنصرية ضد المقدسيين من عام إلى عام، منوها إلى مجموعة من وسائل التهويد، أبرزها” التضييق على الوجود البشري الفلسطيني المقدسي، ومصادر رزقه، إلى جانب الاستمرار في سياسة هدم البيوت ومصادرة الأراضي”.
ومن بين الوسائل أيضا التي لم تتوقف حتى اللحظة، انتهاك حرية التعليم الفلسطيني ومحاولة مسخ وعي الفلسطيني عبر فرض مناهج التدريس الإسرائيلية، وتصاعد عمليات الاعتقال على خلفية النشر والتعبير عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقتهم باستمرار، إلى جانب عسكرة المسجد الأقصى من خلال إقامة وحدة عسكرية إسرائيلية تداوم بشكل دائم داخل وحول باحاته، مع الاستمرار في تغيير اجراءات الدخول إلى الأقصى.
أدوار جيدة لكنها ليست كافة
ومن وجهة نظر المختص في شؤون القدس المحتلة، فإن القلق على القدس المحتلة بات يزداد أكثر اليوم بعد موجة التطبيع الأخيرة لاسيما من دول ” الإمارات والبحرين”، بعد أن كان لهما دورا سيئا من خلال ممارسة الخداع على الفلسطينيين وتحويل بيتوتهم وعقاراتهم إلى مستوطنين يهود، فضلا عن المساعدة في تمرير الرواية الإسرائيلية ومحاولة نزع الصفة الإسلامية على الأقصى وتحويله إلى مكان مقدس للجميع، ما يعني الاعتراف بحق مقدس لليهود داخل المسجد الأقصى وهو ما يتعارض بشكل نهائي مع الحق الإسلامي الديني للمسجد الأقصى.
وفيما يتعلق بالدور الرسمي والشعبي وحتى القانوني الفلسطيني لما يجري داخل وحول ضواحي المدينة المقدسة، فيرى زبارقة أن مجابهة مشاريع التهويد والاستيطان أكبر من قدرة الفلسطيني أو مؤسسات حقوق الإنسان.
وتابع: “منظمات المجتمع المدني دورها محدود، وبالتالي نحن أمام مشروع دولي يتواصل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضمن تمرير رواية ديينية تلائم الاحتلال للسيطرة على الأقصى والقدس”.
واختتم المحامي المقدسي قوله:” المنظمات أضعف بكثير من أن تقاوم مثل هذه المشاريع وسط نفوذ عالمي، وإمكانات غير محدودة، وسياسات دولية كبرى لايمكن مواجهتها، بيد أن السلطة الفلسطينية كونها الممثل للشعب الفلسطيني وتتحدث باسمه في كل المحافل الدولية مطالبة بمزيد من الجهد، والتصدي للرواية الصهيوينة ومواجهة التحديات التي تواجه القضية”.