لا يزال الغموض يُحيط نسبيًا بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة، فالواضح أنَّ سياسة “امريكا أولًا”، هي المعيار الأبرز لدى جميع الرؤساء الأمريكيين، وإنّ كان ذلك بنسب مختلفة لجهة تطبيق هذا الشعار، في جانب أخر فإن الاختلاف الذي قد ينشب بين أيّ رئيس وإداراته في البيت الأبيض، يتمحور أساسًا ضمن إطار السياسات الخارجية، خاصة أنَّ الولايات المتحدة كانت القوة العظمى اقتصاديًا وعسكريًا، فالحروب لم تقم فيها أبدًا، والداخل الأمريكي في أحسن أحواله. هذه الجزئيات قد تغدو مثار بحث وجدال لدى الكثيرين من الساسة الأمريكيين وكذا صُناع القرار، لكن الثابت في كل ما سبق، أن الجُهد الأمريكي ينصب بشكل مباشر على نسق السياسات الخارجية، خاصة في بؤر التوتر والصراع.
مع التغيرات الحاصلة في العالم بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص؛ ومع تباين الخلافات بين واشنطن والصين وروسيا حول ملفات مختلفة منها الاقتصادي، وأضيف إليها تداعيات فيروس كورونا، وأيضا الملف النووي الإيراني، كل ذلك سيكون عنوانًا عريضًا لمشهد مُعقد يجمع القوى العظمى في القادم من الأيام.
فبالنسبة لـ روسيا والعلاقة مع الولايات المتحدة، فقد تفاقمت حدة التوترات السياسية بين البلدين نتيجة الحرب الإرهابية على سوريا، لتفتح ملفات سياسية أُخرى أظهرت الحقد الامريكي على الاتحاد الروسي، من خلال الانسحاب من معاهدة الصواريخ القصيرة المدى، الى معاهدة السماء المفتوحة، إلى الملف السيبراني، وصولًا إلى العلاقة الروسية الإيرانية في سوريا كحليفين للقيادة السورية، التي شُنت عليها الحرب الإرهابية منذ عشر سنوات، لإسقاط نظام الحكم فيها لمناهضة قوى الغرب الاستعمارية.
ومع النزاعات الحاصلة بين ترامب وبايدن في تسليم مفاتيح البيت الأبيض، تقف جائحة كورونا لتضيف مهمة جديدة على بايدن ولتكون سببًا في تراجع ترامب وخسارته.
فأين تكمن أولويات واشنطن في الشرق الأوسط.
يبدو أنَّ ترامب كان يتوقع فوزه في الانتخابات لمرة ثانية، ليستكمل سياساته حول العالم، حسب ما يراها، فقد أظهرت سنواته الأربع في الحكم كيفية التعاطي السياسي اللا مسؤول مع صقور إدارته، الذين تمت اقالتهم أو قرروا ذلك بناءً على معطيات تتعلق بنهج ترامب، وكذلك مع جميع الدول وخاصة فيما يتعلق بملف الحرب الإرهابية على سوريا، وما تم اعلانه من بنود صفقة القرن، واشعال المنطقة بنزاعات داخلية وخارجية لتحقيق مخططات الكيان الاسرائيلي الأمريكي.
بايدن وإرث ترامب.
بعيدًا عن الداخل الأمريكي المضطرب على الصعيدين الصحي والأمني نتيجة جائحة كورونا، والتمييز العنصري بعد مقتل جورج فلويد، وما تبع ذلك من انقسامات داخل البيت الأبيض، بالنسبة للعملية الانتخابية التي ما زالت تأخذ أصداء سلبية، لدى الداخل الامريكي حتى اللحظة.
فعلى ما يبدو أنَّ التحكم بزمام الأمور في الداخل والخارج الامريكي، سيكون مرهقًا لـ بايدن وأركان إدارته الجديدة، فالبرنامج النووي الإيراني يُشكّل مصدر قلق كبير لواشنطن، وما زرعه ترامب بالنسبة للملف الإيراني ليس بالقليل، فإذا ما سلمنا جدلًا أنَّ بايدن سيتمكن من العودة الى الاتفاق النووي، إلا أنَّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونتيجة ما جرى من انسحاب أمريكي وعدم التزام الاتحاد الاوروبي بمسؤولياته تجاه إيران، وكمية الإرهاب الاقتصادي الذي مورس على طهران، والاغتيالات التي أدت إلى خسارة أهم قائد عسكري وأهم عالم نووي، سيكون لكل ذلك التأثير الكبير في الحديث عن عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وضمنًا هندسة اتفاق نووي جديد، فضلًا عن جُزئية التواجد الإيراني في سوريا، والذي يُشكّل قلقًا كبيراً لإسرائيل، التي تدفع بالولايات المتحدة لشن حرب على طهران.
وعلى الرغم من كل ما قدمته حكومة ترامب لنتنياهو، إلا أنَّ محور المقاومة ما زال يُشكّل العائق الأكبر والأهم لاستكمال المخطط الامريكي الصهيوني في المنطقة، فالدولة السورية فاجئت الجميع بصمودها، وما لتأثيرات هذا الصمود على جُلّ المسارات الشرق أوسطية، وتداعيات ذلك على الإدارة الأمريكية، وعليه هناك رغبة كبيرة من حلفاء ترامب أنَّ يستمر في الحكم ولو بالقوة، وهناك في المقابل انصار بايدن ممن يتطلعون إلى إنهاء الحروب في المنطقة. وبين هذا وذاك، ثمة تحديات تؤطر أولويات السياسة الأمريكية تُجاه الشرق الأوسط، وما من شك بأن فصولها ستظهر تباعًا.