إلى المسيسين أو المتسيسين أو السياسيين في وطني :
لنتفق أولا على حقيقية لا تحتاج ولا تستدعي أي نقاش ولو عابر أو قصير وهي :
***: أن هذا الوطن والكيان الأردني ولموقعه التاريخي والسياسي والجيوسياسي في عين العاصفة دائما وفي مركز الصراع العربي الإسلامي مع الكيان الصهيوني وكل حلفائه وأدواته ويرتبط إرتباطا عضويا في هذا الصراع وفي كل القضايا والسيناريوهات المتفرعة والمرتبطة في هذا الصراع وهذا قطعا يستدعي وجود ما يلي :
1- أعداء معلنين وأعداء غير معلنين .
2-دائما وجود تعارض في مصالح إستراتيجية وغير إستراتيجية مع أطراف ضمن دائرة الصراع ووجود تعارض بين الأجندات كلها أحيانا وبعضها أحيانا أخرى على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي .
3- وجود مؤامرات دائما كحقيقية سياسية أزلية تحيكها الأطراف التي تريد تطبيق سيناريوهات تخدم مصالحها ضد من تتعارض مصالحهم وأجنداتهم مع مصالح المتآمرين ,
4- وجود أدوات سياسية وغير سياسية ومنها البشر أو الأشخاص لتنفيذ سيناريوهات أو أجندات تخدم أهداف مؤامرة قد أحيكت من قبل طرف أو أطراف لديها خطة أو مشروع .
والحقيقة الأخرى والتي تتفق مع منطق الأمور أن كل ما سبق ينسحب على كل الساحات في أي وطن أو دولة وتدور تفاصيله ما بين ساحة خارجية وساحة داخلية وتعمل الأدوات في كل ساحة ولا تنحصر في أي مؤامرة أو عند تطبيق أي سيناريو على ساحة محددة ,لذلك فمن الطبيعي أن يكون هناك عدو خارجي يعمل ضد مصلحة دولة وقد يكون ذلك بالعلن أو بالخفاء وبالضرورة أن يكون لهذا العدو أدواته التي يرسلها إلى الداخل الذي يتآمر عليه وهم ما يسمون أحيانا جواسيس وأحيانا عملاء وأحيانا أعوان .
مهلا يا سادتي ….!!!
وأخاطب هنا من تسرع في الإجابة أو التعليق في نفسه أو لغيره على مقدمة لم يكتمل بها المقال فيقول : “لا داعي لهذا التوصيف والإنشاء والحديث فيما نعرفه فالمعروف لا يعرف” , ولهذا فإنني أجيب المتسائل بأن الداعي أن تقر بذلك وتقف عنده حتى أبني خطابي اللاحق حتى لا يضيع الوقت ويعيدنا أحدهم مضطرين إلى مناقشة ما ورد في مقدمتي وجعل ذلك في صلب النقاش في الوقت الذي ها أنت تقول بأن تلك بدهيات وحقائق وذكرها هو لزوم ما لا يلزم .
وعليه وإنطلاقا من الحقائق سالفة الذكر فإنني أتوجه لكل من يتعاطى مع الشأن العام الأردني وفي كل مجال وعلى أي صعيد وكل من صرف الكثير الوقت والزمن على مدى أيام وشهور وسنين على توصيف العدو ومحاولة إقناع الناس والتأكيد على وجود مؤامرة أو مؤامرات وإقناع الناس أن العدو يتربص بالوطن وفي الحديث وتأكيد وجود أدوات لأعدائنا الظاهرين والمتخفين وكذلك إطالة البحث وجمع الأدلة على وجود جواسيس أو عملاء أو أعوان لمن يطبق أجندة تتعارض مع أجنداتنا الوطنية أو القومية , أتوجه بالسؤال لهم : أليس جهدكم ووقتكم المبذولان في هذا هو تأكيد للمؤكد وإثبات للثابت وحديث في بدهيات ..؟؟؟, أوليس فعلكم وقولكم في هذا كمن يحرث سطح البحر ويرمي فيه بذورا ظنا منه أنه يزرع وأنه سيحصد يوما ما زرع ..؟؟؟
وفي إسقاط ذلك على الحالة الأردنية تحديدا أليس كل ما نقرأ ونسمع ونشاهد منذ إنطلاق أول صيحة تطالب بالإصلاح والتغيير ومنذ بدء ما يسمى حراكا سياسيا يقع تحت عنوان (الحديث في البدهيات وتأكيد المؤكد والثابت ) ويقع في إطار إقناع الناس بأن هناك عدو وكل شخص أو فئة تشير إلى من تراه العدو ولا تقبل نقاشا من أحد فيما تراه وأن هناك أدوات لذلك العدو وأنه لابد من أن هناك جواسيس أو عملاء أو أعوان ,وكذلك تبذل جهود مضنية لإقناع الناس بأن هناك أجندات غير وطنية وغير قومية يراد تطبيقها …؟؟؟!!!!.
نعم يا سادتي , إذا ما قرأنا المشهد الأردني بعناية سنجد أن هذا حراكنا السياسي وهذا سلوك جميع أطراف الداخل الأردني وأطيافه ومن الخندقين وهما خندق السلطات والموالين لها وخندق من يصنفون بأنهم معارضة , فالحكومات تجتر الحديث عن التحديات لتبرر تقصيرها والمعارضة تجتر الحديث عن وجود المؤامرات لتبرر معارضتها وتستعرض عضلاتها الذهنية لتثبت أنها مثقفة ..!!!؟؟؟
الجميع بلا إستثناء يجتر ويكرر ويبرر ,حكومات ومسؤولين ومؤسسات ,ونوابا ونقابيين وحزبيين وحراكيين , والكل يريد إقناع الكل بأنه الأدرى بأن هناك عدو وهناك تحديات وهناك مؤامرات وهناك أدوات , والكل يبرر تقصيره للكل بأن تلك التحديات والمؤامرات والأدوات هي ما يقيد ويعطل عن أداء الواجب وللأسف الشديد كل فريق يتهم الآخر بأنه جزء من التحدي أو المؤامرة وأداة من أدواتها …للأسف المبكي …؟؟؟!!!
وأضرب على ما مر مثلا وشاهدا من ألسنة الناس “وألسنة الناس أقلام الحق ” حينما يجمع كل الناس بكل فئاتهم على كلمة ,وهي وصف كل الناس للسنين -على الأقل – العشرة التي مرت بأنها (سنين عجاف ) , وهي فعلا عجاف لأن لا زرع فيها ولا حصاد ..؟؟؟!!!
نعم يا سادتي ,ما زلنا نصرف الوقت والجهود والإمكانيات والأموال على إستعراض المعلومات وتبادل الإتهامات وتوصيف الحال والإشارة فقط للأعداء دون أن نغرس شجرة واحدة ونسقيها ونعتني بها لتنمو مع مرور الزمن -الذي نهدره – ليأكل من ثمرها جائع واحد أو يستظل بها عامل وطن ذات نهار صيفي حار إتقاء لأشعة الشمس الحارقة للحظات من الراحة ..؟؟؟!!!
لقد مر الوقت وحال التنمية السياسية على حاله أو للخلف , فالأحزاب ما زالت (دكاكين صغيرة ) والنقابات طبها الوهن والهزال والحراك ما زال يبحث عن (مايكرفون ) يدوي ببطارية ورصيف لا تشغله بسطات الفقراء والبسطاء لإلقاء الخطب النارية وتنجيم من يجرؤ على شتم الحكومات والمسؤولين ,ثم المطالبة بالإفراج عنه بتهم إطالة اللسان والإساءة للدولة وللمؤسسات , وشتم مؤسسة دستورية كالتشريعية أو إسقاطها من الإعتبار والحسابات ما زال مادة كل غاضب من تعثر طموحاته , والنواب المشكك دائما بصحة نيابتهم وبالقانون الذي أفرزهم يقضون مدة المجلس وهم يحاولون إثبات برائتهم من تهم الشارع بالتواطؤ مع الحكومات , والحكومات لا عمل لها إلا إصدار التصريحات التي تطمئن الأردنيين على إقتراب خروجهم من عنق الزجاجة مرة أو بدء نهضتهم مره أو تفتح الزهر والبساتين أو رسم المستقبل الزاهر مره مع عملها الدئوب على سن قوانين تحمي الشخصيات العامة من مجرد الإشارة إليها أو المطالبة بمحاسبتها وعلى إعادة إنتاج وتعديل قوانين لا تحتاج إلى تعديل لتقول أن الخلل في القانون وليس في التطبيق أو تجاوز القانون من قبل المسؤولين فتأتي بقوانين جديدة قاصرة لأنها لتحقيق غرض آني أو فرض سياسة حكومة في مرحلة معينة وتشوه القوانين التي إستقرت في ظلها معاملات الناس وأستقرت تعديلاتها التي مرت عليها لتحقيق الأهدف الإستراتيجية وأغراض التشريع فكان إسهالا تشريعيا من جهة وعبثا بالمستقر من جهة أخرى …؟؟؟!!!
وعلى رأي من غنى ” تنشد عن الحال ..؟؟..هذا هو الحال ” مديونية إنفجرت وتجاوزت النسب الخطيرة من الناتج القومي , والإقتصاد في غيبوبة تامة والأمراض والآفات- قبل الكورونا -تفتك بالمجتمع ومؤسسات عامة إذا ما إحتج مواطن على تعقيد إجراءاتها أو إشتكى من موظفيها تنتفض شؤونها القانونية لمقاضاة المواطن عن إسائته لها , والشارع إلى مزيد من الإحباط وإنعدام الثقة بكل شيء وكل شيء فالمواطن لا يثق بالمسؤول والمسؤول لا يثق بالمواطن والمواطن لا يثق بالمواطن الآخر والمسؤول لا يثق بغيره من المسؤولين ..؟؟؟
فبالله عليكم ,لو قامت الحكومة مثلا من 10 أو 15 من السنوات بشراء زوج من الأبقار أو الأغنام ورعتها وصرفت جهود التبرير وأموالها وجهود لجم الحراك وأمواله على نواة المزرعة ألا يكون لدينا اليوم ثروة حيوانية وناتج منها ما يجعل الأردن أكبر مصدر في الشرق الأوسط للثروة الحيوانية ومنتجاتها وتخيلوا كم من العمالة الأردنية ستعتاش منها , ولو بالمقابل خصص حراكي أو ناشط واحد جهده ووقته للسير الجاد في تكوين حزب وطني وقام بإقناع الأفراد فردا فردا بجهده الشخصي مع المواضبة على ذلك لكان عندنا اليوم حزب وطني تنتسب له عشرات الألوف , وهذه فقط أمثلة عن عمل على جزئية ما ونتائج صرف الوقت والجهد والمال عليها على مدى عشرة أو خمسة عشر عاما وليقاس على ذلك فلو كان هناك طرح ناضج من أي فريق أو خطة حقيقية مع التركيز عليها والعمل الجاد لتحقيق أهدافها منذ تلك العشرة أو الخمسة عشر في سياق عام وطني يتسم بالتصادم المحفز والتناغم المسهل لكان الحال غير الحال ولما إحتجنا لصرف مليارات الحزم للشكوى والشتم والذم من جهة وللتبرير والتكرير والتكميم من جهة أخرى ولصرفنا تلك الحزم للتمايل طربا على أنغام الأغاني الوطنية ولحشرجت أصواتنا وخنقتنا العبرات ونحن نردد مقطع المطرب الصقار ” خوابينا بعون الله …يا أبو حسين مليانه ” ..!!!
رايق عياد المجالي /ابو عناد