هشام عودة
كان يكفي المحامي عبد الرؤوف التل نصف الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات البلدية التي جرت صيف عام 2007، ليحقق بها فوزا كاسحا يتربع بموجبه على كرسي رئيس بلدية اربد الكبرى، وهو كرسي ليس غريبا على الرجل الذي جلس عليه في سنوات سابقة.
المحامي الذي بدأ حياته السياسية في صفوف الحركة الإسلامية، لم يقطع خطوط اتصاله مع القوى القومية واليسارية، وظل حاضرا في الفعاليات الشعبية التي احتضنتها عروس الشمال، في عناوينها الفلسطينية والعراقية.
أربداوي يعرف تاريخ المدينة التي يرأس بلديتها جيدا، كما يعرف أسماء عشائرها وأنسابها، لذلك كان طبيعيا أن يمارس رجل القانون عبد الرؤوف التل دور القاضي العشائري، كلما تطلب الأمر أن يفصل في قضية، أو يعيد حقا إلى صاحبه عجز القانون في الانتصار له.
أبو يمان، هكذا يناديه أصدقاؤه المقربون منه، ولد في مدينة اربد عام 1939، ويستطيع أن يجاهر بعلاقاته التي تجاوزت حدود محافظة اربد، لتغطي مساحة الوطن كله.
لا وجود للتشاؤم في قاموس أبي يمان الشخصي والمهني، غير أن رجل القانون الذي يقود ثاني اكبر البلديات في البلاد، يؤكد دائما أن الحوار ضروري مع الآخرين، فليس هناك صلح دائم وليس هناك خلاف دائم أيضا.
منذ سنوات بعيدة وجد المحامي عبد الرؤوف التل نفسه في قلب المشهد، حين دخل ميدان العمل العام من بوابته السياسية والاجتماعية والعشائرية، وصار وجها معروفا لدى أبناء المحافظة، لا يغيب عن أي مناسبة يستطيع الوصول إليها.
جاء فوزه في انتخابات بلدية اربد الكبرى في تموز 2007، حين كانت المدينة تحتفل بتتويجها مدينة للثقافة في الأردن، فصار عليه أن ينحاز للخطاب الثقافي، ويجعل خطوط اتصاله مع المثقفين مفتوحة، وهو الذي حافظ على هذه العلاقة، حتى وهو خارج الوظيفة الرسمية، كما يؤكد ذلك مثقفو المحافظة.
مثلما عرفته قاعات المحاكم محاميا مشهودا له، عرفته كذلك مجالس القضاء العشائري رجلا يحفظ تراث أهله وأجداده، مزاوجا بحكمة بين القانون المدني الذي درسه في الجامعة، والقانون العشائري الذي تعلمه جيدا في مضارب أهله ومضافاتهم وبيوتهم التي مارست دور المدارس حين كان التعليم شحيحا، فيما عمل في الصحافة لمدة خمس سنوات صار فيها رئيسا لتحرير صحيفة أسبوعية، كما ترأس النادي العربي في المدينة.
حصل على بكالوريوس في الحقوق من الجامعة اللبنانية عام 1967، ليلتحق بعدها بجامعة القاهرة ويحصل منها في العام 1971 على دبلوم في الدراسات الإسلامية من كلية الحقوق، ويكون شاهدا على بداية التغيير في الخطاب والسلوك السياسيين بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر الذي كانت شعارات نظامه القومية تغطي مساحة الوطن كله، ومع ذلك لم يجد أبو يمان نفسه غريبا في القاهرة، بسبب البيئة الثقافية والاجتماعية التي نشأ فيها في مدينة هادئة تنتمي لمشروع عروبتها بشكل فطري.
ما زال أهالي اربد، والناشطون السياسيون والحزبيون منهم على وجه التحديد، يتذكرون ما فعله رئيس البلدية عبد الرؤوف التل في نهاية التسعينات من القرن الماضي، حين عمل مع أنصاره ومؤيديه من أبناء المدينة على إفشال زيارة كان يزمع السفير الإسرائيلي في عمان القيام بها لمدينة اربد، ولم يكتف الإربداويون بإفشال الزيارة، بل قاموا بمقاطعة الذين كانوا يقفون وراءها سياسيا واجتماعيا، ما يؤكد أن أبا يمان، العضو في حزب جبهة العمل الإسلامي، رجل يملك موقفه السياسي الواضح، ويرفض التطبيع مع العدو، ويمارس قناعاته حتى وهو في وظيفته الرسمية، معبرا بذلك عن ضمير حي يعيش في صدور أبناء عاصمة الشمال وقلوبهم.
ينتمي لواحدة من اعرق العائلات العربية التي تسكن مدينة اربد، وهي عائلة قدمت للوطن عددا من الرموز السياسية والثقافية والاجتماعية، لعل أكثرهم شهرة ذلك الشاعر المتمرد مصطفى وهبي التل، الذي تحول بيته في اربد إلى صرح ثقافي يحمل اسم “بيت عرار الثقافي” صار أبو يمان معنيا، لأكثر من سبب، برعايته وزيارته والاهتمام به.
اقترن المحامي عبد الرؤوف التل بكريمة الشيخ نايف الطبري احد ابرز شيوخ منطقة طبريا في فلسطين، ولذلك ظلت طريق أبي يمان سالكة إلى مضافة أهالي طبريا في مدينة اربد، امتدادا لعلاقة قديمة ربطت بين المدينتين وعشائرهما.
يكاد أهل المدينة وما حولها يجمعون على موقف أبي يمان ودوره في الحياة العامة، ويعتقدون انه الرجل المناسب الذي يجلس في مكانه المناسب، وكان ذلك واضحا من حجم الأصوات التي أدلت بها عشائر عديدة، وقد قررت انتخابات عبد الرؤوف التل رئيسا لبلدية اربد الكبرى.