عادت الأخبار الأسترالية إلى منصة فيسبوك الثلاثاء في أعقاب تفاوضها مع الحكومة على تعديلات لقانون مقترح يفرض على شركات التكنولوجيا العملاقة دفع مقابل للمحتوى الإعلامي الذي يعرض على منصاتها، في ظل خلافات ومحاولات لثني أستراليا عن سن القانون بالترغيب حينا والترهيب أحيانا أخرى.
ودخلت أستراليا في مواجهة مع عملاقي التكنولوجيا آخرها مع فيسبوك قبل أكثر من أسبوع بعد أن طرحت الحكومة تشريعا يتحدى هيمنة فيسبوك وغوغل المملوكة لألفابت على سوق المحتوى الإخباري.
ويراقب العالم القضية عن كثب حيث تبحث دول أخرى مثل كندا وبريطانيا إصدار تشريع مماثل، لهذا تحارب الشركتان ضد هذا القانون رغم أنهما تدركان أن آمال الفوز في هذه المعركة ضئيلة للغاية.
وفي خطوة غريبة من فيسبوك التي يبدو أنها لم تتعظ من تجربة غوغل ومواجهتها الخاسرة مع الحكومة الأسترالية، حظر الموقع الأزرق الأسبوع الماضي على المستخدمين الأستراليين نشر ورؤية المحتوى الإخباري على منصته، مما أثار انتقادات الناشرين والحكومة.
وامتد الاستياء والغضب من تعنت الشركة الأميركية إلى الكثير من وسائل الإعلام والصحافيين في أنحاء مختلفة من العالم، باعتبار أن القضية تمس جميع المؤسسات الإعلامية التي خسرت غالبية إيراداتها الإعلانية لصالح فيسبوك وغوغل، وتأمل أن تقتدي دولها بالتجربة الأسترالية.
وأعلنت وزارة الصحة الأسترالية الاثنين وقف حملاتها الترويجية على موقع فيسبوك، فيما بدأت في البلاد حملة التطعيم ضد فايروس كورونا والتي خصصت الحكومة مبلغ 16.5 مليون يورو للترويج لها بين السكان ولمواجهة مؤيدي نظرية المؤامرة المشككين باللقاح.
وأعلن وزير الصحة غريغ هانت الأحد أن وزارته ستواصل تمويل الحملة الإعلانية، ولكن ليس على فيسبوك. وقال هانت “سيتم استخدام جميع المخصصات”.
وأوضح أن وزارته ستستمر في نشر المعلومات على هذه الشبكة الاجتماعية لكنها لن تلجأ إليها من أجل الترويج.
وبعد سلسلة من المحادثات بين وزير الخزانة جوش فرايدنبرغ والرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ، تم التوصل إلى اتفاق امتياز وتسوية “يسمح لكلا الطرفين بإنقاذ ماء الوجه” وفق تعبير فرايدنبرغ، ومن المتوقع أن تعود الأخبار الأسترالية إلى موقع التواصل الاجتماعي في الأيام المقبلة. وقال الوزير الأسترالي للصحافيين في كانبيرا الثلاثاء “أعادت فيسبوك الصداقة مع أستراليا، وستعود الأخبار الأسترالية إلى منصة فيسبوك”.
وأضاف أن أستراليا خاضت “معركة بالوكالة عن العالم” في ظل تواصل دول أخرى مع شركات التكنولوجيا في ما يتعلق بعدد من قضايا الأخبار والمحتوى.
وتابع “لم تخف فيسبوك وغوغل حقيقة معرفتهما بأن أعين العالم منصبّة على أستراليا ولذا حاولتا على ما أعتقد التوصل إلى قانون فعال هنا”.
وتخشى كل من فيسبوك وغوغل إرساء سابقة تهدد نموذجهما الاقتصادي، كما كانتا تعارضان فرض مفاوضات إلزامية مع وسائل الإعلام ليس في استراليا وحدها بل في دول أخرى مثل فرنسا.
وستعرض أستراليا أربعة تعديلات تشمل تغييرا في آلية التحكيم الإلزامية المقترحة التي ستُستخدم عندما تفشل شركات التكنولوجيا العملاقة في التوصل إلى اتفاق مع الناشرين حول مدفوعات عادلة نظير عرض المحتوى الإخباري.
وبموجب التسوية التي تم التوصل إليها فيما ينظر البرلمان في مشروع القانون، لن تتعرض فيسبوك وغوغل وهما أبرز الشركات المستهدفة بالنص، لعقوبات إذا أبرمتا اتفاقات مع وسائل إعلام محلية لدفع بدل لها مقابل استخدام أخبارها. وحددت للمجموعتين مهلة شهرين للتفاوض بشأن هذه الترتيبات وتفادي عملية تحكيم ملزمة.
وبحسب الاتفاق تتقاضى وسائل الإعلام الأسترالية الملايين من الدولارات من غوغل وفيسبوك. في المقابل تتجنب مجموعات الإنترنت العملاقة دفع مبالغ إلزامية قد تكلفها أكثر بكثير وقد تولد سابقة مقلقة برأيها في العالم.
لذلك يبدو الاتفاق محاولة لحفظ ماء الوجه أكثر من كونه تنفيذا للقانون الجديد، حيث قال رئيس نقابة “ألاينس” لوسائل الإعلام والترفيه والفنون ماركوس ستروم “نحن الآن أمام احتمال غريب بأن يقر البرلمان مدونة حسن السلوك وألا تطبق على أي كان”.
لكن فيسبوك أكدت أنها راضية عن المراجعات التي قال فرايدنبرغ إن الحكومة قدمتها إلى البرلمان الأسترالي الثلاثاء. ولا بد من موافقة مجلسي البرلمان على الاقتراح المعدل قبل أن يصبح قانونا.
وأعلن المدير العام لفيسبوك في أستراليا ويل إيستون “بفضل هذه التعديلات بات في إمكاننا العمل على مواصلة استثمارنا في صحافة ذات مصلحة عامة وأن نعيد للأستراليين الأخبار على فيسبوك في الأيام المقبلة”.
وكان وزير المالية الأسترالي سايمون برمنغهام قد أكد أن بلاده لن تغيّر القوانين المقترحة التي من شأنها أن تجعل غوغل وفيسبوك تدفعان لمنافذ الأخبار مقابل المحتوى.
لكن مع تحديد مشروع قانون الإعلام الجديد وطرحه للمناقشة في مجلس الشيوخ، أوضح برمنغهام أنه لن تجرى المزيد من التعديلات على هذا القانون، قائلاً في لقاء مع راديو هيئة الإذاعة الأسترالية إن “مشروع القانون بصيغته الحالية يفي بتوجهاتنا”.
وأضاف أن مشروع القانون في شكله الحالي يضمن “الحقوق المالية للمحتوى الإخباري الأسترالي المحلي، ويجب أن تدفع وسائل التواصل الاجتماعي في مقابل عرضه على منصاتها”.
ووقعت غوغل التي هددت لفترة بتعليق محركها للبحث في أستراليا الأسبوع الماضي اتفاقيات مع كبرى المنافذ الأسترالية بما في ذلك شركة “نيوز كورب” التي يملكها الملياردير روبرت مردوخ وشركة “ناين إنترتينمنت” كخطوة لرأب الصدع بينها وبين الحكومة الأسترالية، وقال برمنغهام إن فيسبوك بإمكانها أيضاً التوصل إلى اتفاق مع وكالات الأنباء الأسترالية.
وبالفعل بعد ساعات على إعلان التسوية كشفت فيسبوك عن مشروع اتفاق أول مع مجموعة “سيفن ويست” الإعلامية الأسترالية النافذة.
وقالت نائبة رئيس فيسبوك المكلفة بالشراكات العالمية في مجال الأخبار كامبل براون “توصلنا إلى اتفاق يسمح لنا بدعم المجموعات الصحافية التي نختارها بما فيها المجموعات الصغيرة والمحلية”.
ووصف المعلقون التسوية التي تم التوصل إليها بأنها “منطقية”. وقال أستاذ إدارة الأعمال في جامعة نيو ويلز روب نيكولز لوكالة فرانس برس “بإمكان الجميع القول إننا حصلنا على ما كنا نريده”.
ويرى منتقدو مشروع القانون الأسترالي أنه يعاقب شركات مزدهرة ويعود إلى نقل أموال لحساب وسائل الإعلام التقليدية التي تواجه مأزقا ماليا غير أنها تحتفظ بنفوذ سياسي.
وألغى قطاع الإعلام في أستراليا الآلاف من الوظائف خلال العقد الماضي فيما كانت عائدات الإعلانات تذهب إلى شركات التكنولوجيا الكبرى.
وإن كانت غوغل وفيسبوك توصلتا على ما يبدو إلى تسوية في أستراليا، فهذا لا يعني أنهما لن تواجها مشكلات، إذ يعتزم الاتحاد الأوروبي وكندا ودول أخرى فرض تنظيمات في هذا القطاع، وقد كانت فرنسا السباقة في هذا المجال وأجبرت غوغل على عقد اتفاق مع شركات إعلام كبرى للدفع مقابل المحتوى.