هشام عودة
خجول وهادئ في علاقاته الانسانية والشخصية ، لكنه صلب وعنيد عندما يتعلق الامر بقناعاته ، يصفه المقربون منه بانه شيخ الشيوعيين في الاردن ، الذي تجاوز النصف الثاني من عقده التاسع ، وما زال يملك حيوية الشباب وقدرتهم على لي ذراع الريح مهما كان اتجاهها.
يعقوب زيادين ، يرى بعينيه الثاقبتين ما يحفزه دائماً على التمسك بمبادئه التي ظل أميناً عليها ، رغم سنوات القهر والسجن الطويلة ، ورغم الاسئلة السياسية القاسية التي واجهته في مسيرته الحزبية.
ابو خليل ، كركي حمله المقدسيون الى قبة البرلمان ، بعد ان فتحوا له بيوتهم للاختباء حين كان مطارداً في منتصف الخمسينيات ، وكانت عيادته في القدس ملاذاً للفقراء والبسطاء والمقهورين ، لكنه فشل في الوصول الى البرلمان عندما رشح نفسه عن الدائرة الثالثة في عمان عام ,1989
غادر السماكية ، التي ولد فيها عام 1920 ، الى دمشق لدراسة الطب في جامعتها ، وفي منتصف الاربعينيات يعود يعقوب زيادين ، طبيباً شيوعياً ، ليكون واحداً من اوائل الاطباء في الاردن.
قبل نصف قرن ، كان ابو خليل مع رفاقه ، يقودون الشارع الحزبي ، وشهدت المقاهي والحدائق العامة ، اجتماعات حاسمة للقوى الوطنية ، كان الطبيب الشيوعي احد رموزها المعروفين.
بيت ابي خليل ، يتحول الى جامع للاطياف السياسية ، حين يكون لقاء القوى الوطنية ضرورياً ، وحين يدلي برأيه يستمع خصومه ورفاقه على حد سواء.
ابتعد عن يوميات العمل الحزبي منذ عدة سنوات ، لكن رجلا مثل ابي خليل لا يعترف بالتقاعد ، فظل في وسط المعمعة ، واحداً من أبرز الشخصيات الوطنية في المشهد السياسي الاردني.وحين اكتشف الخلل في بيت الشيوعيين الذي امسك بمفتاحه لسنوات عديدة ، رفض السكوت ، وقال امام الملأ بالصوت العالي والفم الملآن ، ما يجب ان يقوله في الوقت المناسب والمكان المناسب ، وأعلن براءته من رفاق الامس ، وغادر الحزب الذي قضى في صفوفه اكثر من نصف قرن.
ولأنه لا يعترف بالتقاعد ، فقد بايعه رفاقه الغاضبون ، وذهبوا الى تأسيس حزب الشغيلة الشيوعي ، الذي كان زيادين بمثابة الأب الروحي له ، لكنه وجد الفرق كبيراً بين حزب حديث التأسيس ، وحزب عريق ورث الاسم والتاريخ والمواقف ، فابتعد برغبته عن الحزب الجديد ، دون ان يبخل بنصائحه ومشورته على رفاقه المتمسكين به رمزاً ، وحين تمت الوحدة بين الحزبين من اجل تصويب اوضاعهما ، ارتأى زيادين ان يكون بعيدا عن المشهد الجديد الذي رفض ان يكون جزءا منه.
في الحديث عن التاريخ السياسي الحديث للاردن ، يكون اسم الدكتور يعقوب زيادين من الاسماء البارزة التي تقفز الى واجهة المشهد ، وتمثل مذكراته جزءاً مهماً من الذاكرة الوطنية.
في القدس ودمشق وبيروت وبغداد والقاهرة وغيرها يملك الدكتور يعقوب زيادين حضوراً سياسياً وحزبياً ، وله في هذه العواصم رفاق ومريدون ، ظل بالنسبة لهم الرفيق المؤتمن حتى في احلك اللحظات.
الطبيب الشيوعي ، وجد نفسه منذ نهاية الاربعينيات امام امراض عديدة يعاني منها المجتمع ، كالفقر والجهل والبطالة والتخلف ، فسار منذ ان وضع قدمه في السماكية طبيباً شيوعياً ، في طريق مزدوج ، لمعالجة امراض الناس وأمراض المجتمع معاً ، وليس مهماً اين أخطأ ابو خليل وأين أصاب ، الا انه امتلك شرف المبادرة.
شيوعي عتيق ، يفاخر بانتمائه لامته ، ولا يتنكر لهموم الوطن القومية ، فكان طبيعياً ان يجد الدكتور يعقوب زيادين موقعه بين رفاقه في قيادة اللجنة الاردنية لدعم العراق ، وأعلن عن فرحه وانحيازه المبكر للمقاومة التي تستعد لاعلان هزيمة المشروع الامريكي في العراق.
لا يختلف اثنان على توصيف موقع يعقوب زيادين في خارطة الوطن السياسية ، ويتفق رفاقه وخصومه معاً ، انه قاسم مشترك حين تختلط الاوراق والمواقف في ساحة العمل الوطني.
ابو خليل الذي يسمع بقلبه النابض وضميره الحي ، يرى بعينه الثاقبة ملامح المستقبل المشرق للوطن والامة.
تنويه : اعادة النشر للتذكير برجالات الفكر الاردنيين ورحم الله السنديانة الحمراء يعقوب زيادين