يرقدُ على سرير الشفاء الفنان الأردني متعب الصقار. متعب الصقار صوتٌ رمثاوي هادئ مثل هدوء بيادر الحويرِّه في الرمثا، حين يحفها الهواء، وهو نفس الصوت الهادر القوي القادم من حرابات الرماثنة أهل الجندلية، حين ترتفعُ جوابات متعب الصقار ستسمعُ قرعَ السيوف في بركة الدم حيث مكان المستشفى التي ينام فيها الآن متعب.
متعب مواطنٌ رمثاوي جدًا، والرمثنَّةُ هنا قادمة من خجل الرمثاوي الذي تعامل مع كل جنسيات الدنيا، رمثاوي بكل ما للرمثاوي من صلّافة إذا استدعى الأمر وهذا طبعٌ ورثناه من الشاحنات والسفر الطويل. متعب الذي بدأ الغناء نهاية السبعينيات في أعراس الرمثا، كان فتى تناديه أمهاتنا وخالاتنا من منتصف ساحة العرس ويرددن خلفه مثل أم تعجنُ أمام “بيت العيلة” وتُسلي طفلها.
متعب، الحرُّ الذي لم تُكْسَر عينه بشيك تحت فنجان قهوة، بسيارة هدية، بمتعهد حفلات يأخذه حيث لا يحب، بمدير إذاعة أو شركة إنتاج يتحدث معه بنبرة لا يحبها متعب. متعب الرمثاوي الحرُّ الذي شبعَ في بيت أهله ولم يلهث خلف طائفة الطبالين. كم مرةً رأيت متعب في لقاء تلفزيوني؟ كم مرةً تم تكريم متعب؟ من سأل عن متعب كيف يعيش؟ وحين كان يتعثر كم إعلاميًا من إعلاميي الميونيز اتصل بمتعب ليسأل عنه!
عاش متعب رمثاويًا خالصًا بلهجته وتواضعه وحبه للناس، متعب الوحيد الذي يردُ على اتصالك ويغني في عرس ابنك في الشارع دون أن يقول لك:” شوف مدير مكتبي” كما فعل صبيٌّ كان حلمه القديم أن يغني بعد متعب لدقيقة واحدة. متعب كبيرُ مطربي الرمثا والأردن والأكثر حفظًا لعيون تراثنا. المطرب الذي لا يغني في عرسٍ فيه رصاصة واحدة، ولا يجيدُ الغناء إذا كانت أم العريس ميتة، فهول يقول:” فرحة العرس لام العريس”.
متعب الصقار يعني الرمثا كلها. متعب يعني الرجل الذي حمى مجد الفن الرمثاوي بعد تدمير فرقة الرمثا واطفاء نارها يوم كان خالي نايل يطوف العالم بالفن الرمثاوي الأردني. متعب عاشق نادي الرمثا الأول الذي غنى لكل أمجاده منذ سنة الثمانين. متعب الذي مد يده للواعدين الجدد (حيتان اليوم) ولم ينتظر شكرًا. إنه الفنان الذي غنى لغزة وللعراق ولكل وجع عربي، متعب الذي يحول أي كلام معه إلى كلام عن الفساد الذي يأكل بلادنا بلغة رمثاوية بسيطة، ثم ينسون متعب لأنه حقيقي.
يجيبُ متعب عن سؤال :” كيف بتلحن الأغاني.. شو الأجواء تبعتك؟” يجيب ببساطة:” أني قمة التجلي عندي يوم أكون اتفرج على مباراة للرمثا وادندن الأغنية، مع كل هجمة بلحن جُملة”. هذا متعب الذي يكثرُ من جمل:” احنا بنخبص، احنا بنسحج”.
عُد لنا قويًا يا أبا شهد، غنِ أرجوك، نريدُ هجيني ودرازي ودحية وتروايد ومواويل، نريدُ مطربًا ثقيلًا مثلك يغني دون كحول أو حبوب ويحترم البيوت وأهلها، يظهر في الفيديو كليب دون تعري، يحفظ كرامته كما تفعل أنت ولا يكسر عينك أحد، يغني أغنية وطنية دون تطبيل أو شيكات أو رّش نقود على الصحفيين الهمّل.
سلامتك يا ابو شهد، يطول عمرك ربي ويعطيك تا يرضيك ويحنن عليك كل قلب قاسي وكل جبل عاصي.