قال أستاذ النظم السياسية وعلم الاجتماع السياسيّ الدكتور خالد الدباس إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تتميز بطابعها المؤسسي الذي يمنحها استقرارًا نسبيًا بغض النظر عن تغيّر القيادات السياسية أو الأحزاب الحاكمة. وأوضح أن السياسة الأمريكية محكومة بمحددات استراتيجية تُرسم على يد مؤسسات دائمة، مثل وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، وأجهزة الاستخبارات، إلى جانب التأثير العميق لمراكز الأبحاث وجماعات الضغط، مضيفًا أن هذه المؤسسات تعمل على صياغة سياسة تتسم بالاستمرارية، بحيث تتجاوز تغيّر الأفراد في البيت الأبيض، ومع ذلك، فإن لكل رئيس بصمته الخاصة التي تنعكس على التفاصيل التنفيذية والأولويات التكتيكية. وبيّن الدباس أننا شهدنا في عهد دونالد ترامب تحولًا لافتًا في طبيعة الأولويات الاستراتيجية، إذ ركّز بشكل أكبر على منطقة الخليج العربي باعتبارها مركز الثقل الحيوي لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكانت هذه الرؤية جزءًا من مقاربته الأوسع التي تقوم على الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية، والمواقع الجيوسياسية الاستراتيجية، فضلًا عن تعزيز علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة مع دول الخليج، وما قد رافق ذلك من ضغوط متزايدة على هذه الدول لتعزيز مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، في سياق رؤيته التي ترى أن اندماج إسرائيل في محيطها العربي يخدم المصالح الأمريكية ويعزز من استقرار التحالفات الإقليمية التي تخدم واشنطن وحلفاءها. وأكد الدباس أن هذه السياسة لم تكن مجرد تعبير عن رؤية شخصية لترامب، بل جاءت منسجمة مع النهج الأوسع للسياسة الأمريكية في دعم الكيان الصهيوني كحليف استراتيجي رئيسي، مشيرًا إلى أن أسلوب ترامب اتسم بالوضوح الحاد والتعامل المباشر، ما جعله يُمارس سياسات الضغط علنًا وبشكل أكثر صراحة مقارنة بأسلافه. أما إذا أردنا مقارنة أثر الإدارات المختلفة على المصالح العربية، فإن المفاضلة بين إدارة وأخرى تبدو أشبه بمقارنة الضرر بالأذى، ذلك أن السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي لا تُصمم لخدمة تطلعات شعوبه، بل تأتي دائمًا في إطار تحقيق مصالح واشنطن وحلفائها، خصوصًا الكيان الصهيوني، سواء أكان الرئيس ترامب أو هاريس، فإن كليهما يُنفذان أجندة استراتيجية موحدة تسعى إلى ضمان تفوق إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا، وإضعاف أي تحالفات إقليمية قد تعرقل هذه الهيمنة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة “أخبار الأردن” الإلكترونية. وأكد الدباس أن النظر إلى السياسات الأمريكية من زاوية “الأفضلية” بالنسبة للأمة العربية يُعد خطأً في التقييم، فالنهج الأمريكي، بصفته نتاجًا لمصالح مؤسسية راسخة، لا يُعنى في جوهره بتحقيق العدالة أو الاستقرار للمنطقة، بل بتأمين مصالح واشنطن وشركائها، وما يختلف بين إدارة وأخرى هو الأسلوب والتنفيذ، وليس الجوهر أو الأهداف الكبرى، ما يجعل الحديث عن مكاسب عربية حقيقية في ظل هذه السياسات أمرًا في غاية الصعوبة
اترك تعليقاً