بقلم : هشام عودة
غياب اسم والده عن اسمه الذي عرفه به الجمهور ، عوضه في اختيار كنيته ، فصار اسمه الفني محمد وهيب فيما ظلت كنيته ابا خميس الذي صنفته الذاكرة الشعبية بانه احد ابرز الفنانين الرواد الذين قدموا الاغنية الاردنية في الوطن العربي ، وكانوا سفراء لها.
في القدس ، قريباً من بيت جده لامه القبانية المقدسية ، ولد الفنان محمد وهيب الذي تنتمي عائلته لبلدة بيت اكسا الواقعة في اطراف القدس ، وتحمل عائلته مثل غيرها من ابناء البلدة لقب “الكسواني” ، وفي سنوات طفولته راى حجم المؤامرة التي تحاك ضد فلسطين بشكل عام ، وضد القدس بشكل خاص ، من العصابات الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني ، لتظل صورة شقيقيه اللذين استشهدا في معارك الدفاع عن عروبة فلسطين عام 1948 حاضرة في ذاكرته ووجدانه ، ومن المؤكد ان الفنان قد استحضر صورتيهما وهو يقدم الاغنية الوطنية التي صدحت بها حناجر الاردنيين في العقود الماضية.
كان الفنان فريد الاطرش هو مثله الاعلى في بداية مشواره ، لذلك ذهب الى حفظ اغانيه مبكراً وقدمها بصوته في اذاعة رام الله ، ورغم ان شقيقه شوكت قام بكسر عوده اكثر من مرة ، ليثنيه عن الطريق الذي تعلق به واختاره منذ نعومة اظفاره ، الا ان الفنان محمد وهيب لم يتراجع ، ووجد نفسه مع مجموعة من الفنانين الرواد داخل ستوديوهات اذاعة رام الله عام 1958 قبل ان ينتقل مع فنانين آخرين الى اذاعة عمان عند افتتاحها عام 1959 ، ويبدا مسيرته الحقيقية منها وعبر اثيرها قدم اغنياته والحانه التي ما تزال مؤهلة للمنافسة حتى اليوم .
في القاهرة ، التي كانت مركزا لصناعة النجوم وترويجهم اعلاميا في ستينيات القرن الماضي ، درس الموسيقى وقدم اغنياته على المسارح ذاتها التي وقف عليها فنانو مصر الكبار في تلك المرحلة من امثال عبدالحليم حافظ وفريد الاطرش ، وسجل عددا من اغنياته في اذاعة صوت العرب ، الاذاعة الاكثر شهرة في ذلك الوقت ، لكن عمان ظلت محطته الاثيرة في رحلته الفنية التي يزيد عمرها على النصف قرن .
اشتهر محمد وهيب باغنياته العاطفية التي ظلت تحمل شيئا من سمات الحزن ، لكن عدوان حزيران عام 1967 ونتائجه القاسية على الوطن والامة ، احدث انعطافة كبرى في مسيرة الفنان المهنية الذي غادر محيط الاغنيات العاطفية ، ليقدم مجموعة مهمة من الاغنيات الوطنية ، انسجاما مع الجو العام الذي عاشته البلاد وفي ذهنه الاسهام في اعادة صياغة الوجدان الشعبي الذي خلخلته نتائج الهزيمة ، ويستمر على هذا المنوال لمدة اربع سنوات ، اي حتى العام 1971 حين عاد مجدداً لتقديم اغنيات عاطفية جديدة.
كتب كلمات بعض اغانيه ولحنها ، في وقت قدم فيه الحانا ناجحة لعدد من المطربين العرب المشهورين ، وهو واحد من اوائل المطربين العرب الذين غنوا قصائد للشاعر نزار قباني الذي ابدى اعجابه بالصوت واللحن معاً ، وتشير سيرته الفنية الى مشاركته في عدد من المهرجانات الغنائية داخل الاردن وخارجه ، واحيائه لعدد كبير من الحفلات في الوطن العربي والعالم ، وبثت الاذاعات العربية اغنياته التي ظلت تحمل تميزها في النصف الثاني من القرن الماضي.
يملك علاقات اجتماعية طيبة من اهله الكسوانيين ، لذلك صار طبيعيا ان يغني في افراحهم ، وان يكون بينهم في اتراحهم ايضا.
واحد من الفنانين الذين اعطوا لبيت الرواد نكهة خاصة ، وفي مساءات الاربعاء من كل اسبوع ينطلق صوته من سفوح جبل الجوفة ليتردد صداه في فضاء المدرج الروماني ، حيث يجمعه بيت الشعر مع زملائه الرواد.