تطورات سياسية وفنية مهمة حالت بين الشيخ برجس الحديد وبين ان يكون طيارا في سلاح الجو الملكي ، حين تم اختياره عام 1956 واحدا من بين مئات من الشباب الاردني الذين تقدموا للانتساب لهذا السلاح.
توتر العلاقات السياسية بين القاهرة وعمان عام 1957 بعد الانقلاب على حكومة الرئيس سليمان النابلسي الذي كان مقربا من نظام الرئيس جمال عبد الناصر ، دفع بالشيخ برجس الحديد وزملائه الذين ذهبوا للتدريب في كلية الطيران المصرية للعودة الى عمان ، وإكمال الدورة في الاردن رغم ضعف الامكانات الفنية في تلك المرحلة.
والحادث الذي تعرض له الشيخ الذي كان يطمح ان يكون طيارا اثناء التدريب ، وأجلسه ستة اشهر في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت ، حوله الى ضابط في سلاح الجو. وتشير السيرة الذاتية للشيخ برجس انه تولى في العشرين عاما التي قضاها عسكريا عددا من المواقع المسؤولة حيث اصبح آمرا للمدرسة الفنية ، التي صار اسمها لاحقا كلية الامير فيصل الفنية ، ثم قائدا للشرطة الجوية ، ليتقاعد ابو نضال عام 1976 وهو برتبة مقدم.
الشيخ المولود في القويسمة عام 1936 فتح عينيه على الدنيا ليرى سيرة والده الشيخ شاهر الحديد الذي كان عضوا في المجلس التشريعي الاول ، وأحد أبرز المهتمين بالشأن العشائري في الاردن ، تفرض نفسها في الزمان والمكان.
وعندما كان عمر ابي نضال احد عشر عاما توقف امام الجنازة المهيبة لوالده الذي توفي عام 1947 ، وكان الملك المؤسس في مقدمة مشيعيه ، ليدفن في المقابر الملكية ، وهو الذي تزوج اثنتي عشرة مرة وأنجب تسعة ابناء وثلاث بنات ، كما يروي الشيخ برجس الذي اصبح احد ابرز الوجوه العشائرية في الاردن والمنطقة.
اذا كان الشيخ شاهر قد حجز مقعده في المجلس التشريعي الاول ، فان الابن الشيخ برجس حجز مقعده لمرتين في مجلس الاعيان ، قبل ان يحجز مقعده لمرتين ايضا في مجلس النواب ، وان كانت اصوات قاعدته الانتخابية لم تساعده في الوصول الى البرلمان قي الانتخابات التكميلية التي جرت عام 1984 ، ليحجز لاحقا الحفيد المهندس نضال مقعده تحت القبة ، بعد ان قرر الشيخ برجس التفرغ لأعماله الخاصة ولشؤون القضاء العشائري الذي ابدع فيه ، ومثلما حجز الشيخ برجس مقعده لسنوات عديدة ايضا في عضوية مجلس امانة عمان منذ عام 1985 ، باعتباره احد رموز العاصمة ووجهائها ، فقد حجز ابنه المهندس نضال مقعده في المجلس ذاته قبل ان يصبح امينا لعمان الكبرى ، ما يؤكد ان الولد سر ابيه.
عند الحديث عن القضاء العشائري في الاردن والمنطقة العربية ، يقفز اسم الشيخ برجس الحديد ودوره في هذا الميدان المعقد بتداخلاته الاجتماعية والقانونية ، لكن منزله ، الذي صار عنوانه معروفا للجميع ، لا يعرف الهدوء على مدار ساعات اليوم ، حيث اعتاد الشيخ ، صاحب الكلمة المسموعة محليا وعربيا ، على استقبال الجناة والمجني عليهم معا ، وتمكن بفضل حنكته ووعيه وتجربته ان يحقن دماء كثيرة ، كان يمكن لها ان تسيل بفعل فورة الغضب ، مؤكدا ان القانون العشائري لا يمكن ان يكون بديلا للقانون المدني ، بل هو داعم له ومساند لوظيفته.
ويستطيع الشيخ الوجيه ان يقول كلمته الواضحة ، في وقت لا يتحدث بعده احد ، في شؤون صار هو ابرز المتخصصين بالتعامل معها ، وقد شهد بيته حلولا عادلة لمشاكل كان يبدو انها مستعصية ، لمتخاصمين من الاردن والوطن العربي.
بعد عودة الحياة الديمقراطية والحزبية للبلاد مطلع التسعينات ، راودت الشيخ برجس الحديد فكرة تأسيس حزب سياسي ، مستفيدا من حجم حضوره الاجتماعي والعشائري ومن حجم قاعدة مريديه المنتشرين في عموم الشارع الاردني ، لكن الفكرة ظلت حبيسة وعي الشيخ الذي ربما ، توقف جيدا امام التجربة الحزبية ذات التأثير الضعيف في الحياة السياسية الاردنية.
خدمته الطويلة في سلاح الجو منحته لياقة بدنية استثمرها الشيخ ابو نضال في عضوية عدد من النوادي الرياضية من بينها نادي السباق الملكي ونادي البلقاء الرياضي وغيرهما ، ليظل قريبا من وعي الشباب ، ونبضهم المؤهل لتطوير الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد ، فيما تشير اوراقه الشخصية ان الشيخ عضو مؤسس في البنك الاسلامي الاردني ، وله رؤيته في عمل البنك وسياسته المصرفية.
في مسيرته الطويلة في الوظيفة العسكرية والعمل العام والقضاء العشائري ، حصل الشيخ برجس الحديد على عدد من الاوسمة وشهادات التقدير اعترافا بدوره ، من بينها وسام الاستقلال ، وفي خريف عام 2008 ودع زوجته ام نضال التي شاركته مسيرته الطويلة ، ليعيش مع ذكريات جميلة اخذت مساحة كافية من حياتهما المشتركة.