+
أأ
-

خطبة الجمعة الاولى من رمضان ليوم الغد تحت عنوان " إلا الصوم فانه لي وأنا اجزي به " ( نص الخطبة )

{title}
بلكي الإخباري







معززاً بالشواهد من الكتاب والسنة بالإضافة إلى المادة العلمية المساندة والمساعدة
24/3/2023، الموافق 2 /رمضان/ 1444هـ
عناصر الخطبة (مُلزم)
كتب الله على عباده صيام شهر رمضان في شهر القران شهر الهداية والعرفان لما في الصيام من حكم عظيمة ، منها ما نعلمه وأكثرها لا نعلمه، فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى ، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به ، وترك ما نهى الله عنه.
الصيام يتميز عن سائر العبادات، لسموه بالنفس إلى درجة العلاقة الخفية بين الإنسان وربه، فالعبادات في غالبها بارزة وظاهرة، أما الصوم فهو سرٌ بين العبد وربه لا يعلمه إلا الله وحده لا شريك له، ذلك لأن الصوم لا يقع فيه الرياء، وهو من أعظم الطاعات التي يُتقرَّب بها إلى الله سبحانه وتعالى.





صلة الرحم في رمضان، تعني الإحسان إلى الأقربين، وإيصال ما أمكن من الخير والمعروف إليهم، ودفع ما أمكن من الشر عنهم، والحذر من قطيعة الرحم والإساءة إليهم في رمضان وما بعده حتى نلقى الله تعالى.
رمضان فرصة للتغيير في حياتنا وعلينا ان نتدبر قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ الرعد:11، فلنطرح حظ النفس، ونقبل على الفضائل المحمودة في حياتنا، لنصبح ربانيين في أقوالنا وأفعالنا وجميع مناحي حياتنا.
ولا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، " أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه".





فهرس الآيات
الآية
السورة ورقم الآية
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
البقرة: 183
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
النساء: 1
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾
الرعد: 11
﴿ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
الشعراء: 89
﴿ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾
الأنبياء: 87
فهرس الأحاديث
« كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ»
رواه مسلم
« مَن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتَبْتُ له حسنةً فإنْ عمِلها كتَبْتُها بعشرِ أمثالِها إلى سبعِمئةٍ وإنْ همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها لم أكتُبْ عليه فإنْ عمِلها كتَبْتُها عليه سيِّئةً واحدة »
رواه ابن حبان
«خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ منه قامَتِ الرَّحِمُ، فأخَذَتْ بحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فقالَ له: مَهْ، قالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: ألا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ، قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَذاكِ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ محمد: 22
رواه البخاري
« مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ »
رواه مسلم
« الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ»
رواه الترمذي
روي أنَّ رَجُلًا قالَ: « يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ »
رواه مسلم
« كلُّ معروفٍ صدقةٌ وإنَّ منَ المعروفِ أن تلقَى أخاكَ بوجْهٍ طَلقٍ وأن تُفرِغَ مِن دلْوِكَ في إناءِ أخيكَ »
رواه الترمذي
« أفضلُ النَّاسِ كلُّ مخمومِ القلبِ ، صدوق اللِّسانِ ، قالوا: صدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه فما مخمومُ القلبِ ؟ قال التَّقيُّ النَّقيُّ ، لا إثمَ فيه ، و لا بغْيَ، و لا غِلَّ ، و لا حسَد »
رواه ابن ماجه
« مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ »
رواه الشيخان
«ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»
رواه البخاري
« من قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر" »
متفق عليه
" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"
صحيح البخاري
ومن قال:لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ الانبياء:87، " أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه".
رواه الحاكم في مسنده





ملخص الخطبة (مُلزم)
كتب الله على عباده صيام شهر رمضان في شهر القران شهر الهداية والعرفان لما في الصيام من حكم عظيمة، منها ما نعلمه وأكثرها لا نعلمه، فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى الله عنه، قال الإمام علي كرم الله وجهه: ( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل).
الصيام يتميز عن سائر العبادات، لسموه بالنفس إلى درجة العلاقة الخفية بين الإنسان وربه، فالعبادات في غالبها بارزة وظاهرة، أما الصوم فهو سرٌ بين العبد وربه لا يعلمه إلا الله وحده لا شريك له، ذلك لأن الصوم لا يقع فيه الرياء، وهو من أعظم الطاعات التي يُتقرَّب بها إلى الله سبحانه وتعالى، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلعُ عليه احدٌ الا الله، أضافه الله الى نفسه.
صلة الرحم في رمضان، تعني الإحسان إلى الأقربين، وإيصال ما أمكن من الخير والمعروف إليهم، ودفع ما أمكن من الشر عنهم، والحذر من قطيعة الرحم والإساءة إليه في رمضان وما بعده حتى نلقى الله تعالى، وهذه الصلة مطلوبة وإن بعدت المسافات والحواجز فوسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم كقرية صغيرة، فلا تبخل برسالة أو مكالمة مع أقاربك وأرحامك وأهل بيتك ، فهذه مما تُدخلُ السرور على قلوبهم
رمضان فرصة للتغيير في حياتنا وعلينا ان نتدبر قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ الرعد: 11، فلنطرح حظ النفس، ونقبل على الفضائل المحمودة في حياتنا، لنصبح ربانيين في أقوالنا وأفعالنا وجميع مناحي حياتنا، فلا غيبة ولا نميمة، ولا تشاحن ولا تباغض، ولا حسد ولا حقد ولا غل ، لتصبح قلوبنا مطمئنة بذكر الله تعالى.
ولا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، " أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه".





أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}(6).
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».









(1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة».





" إلا الصوم فانه لي وأنا اجزي به "
(المادة العلمية المقترحة)
كتب اللهُ تعالى على عباده صيام شهر رمضان في شهر القرآن ، شهر الهداية والعرفان لما في الصيام من حِكمٍ عظيمة ، منها ما نعلمه وأكثرها لا نعلمه ، فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى ، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به ، وترك ما نهى الله عنه.
لقد خاطب اللهُ عز وجل عباده عندما شرع لهم عبادة الصيام ،بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة: 183، وهذا تكريمٌ من الله لعباده ، قال ابن مسعود رضي الله عنه:" اذا سمعت الله يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فأرعها سمعك، فإنه خيرٌ يأمر به أو شرٌّ ينهى عنهُ"، وقال علماؤنا : إن الله إذا قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )، فإن فيه تكريماً للمؤمنين أن الله رب العالمين يخاطبهم ويرفع مكانتهم بهذا النداء.
فهنيئاً لنا معاشر المؤمنين أن يُخاطبَنَا ربُنا الكريم سبحانه وتعالى، ونحنُ في أول جمعة من شهر رمضان المبارك، لتحقيق التقوى التي جعلها الله تعالى الغاية من عبادة الصيام ، وهي أفضل ما يتسلح به الإنسان المسلم لينال صفة المتقين ، لذلك جعل الله تعالى شهر رمضان شهر التقوى، قال الإمام علي كرم الله وجهه: ( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل).
ومن الأسرار العظيمة في الصوم أن المسلم يترك طعامه وشرابه وسائر شهواته المباحة التي جبلت عليها النفس البشرية إرضاءً لله تبارك وتعالى سراً وعلانيةً ، ولا يوجد ذلك في عبادة غير الصيام .
رمضان أقبل يا أولي الألباب *** فاستقْبلوه بعد طول غياب
عام مضى من عمْرنا في غفْلة *** فتنبهوا فالعمر ظل سحاب
وتهيؤوا وتصبروا لمشقة *** فأجور من صبروا بغير حساب
الله يجزي الصابرين لأنهم *** منْ أجله سخروا بكل صعاب
لا يدخل الريان إلا صائم *** أكْرمْ بباب الصْوم في الأبواب
ومما لا ريب فيه أن الصوم مدرسة إيمانية خُلقية وتربوية ، يتدرب فيها الصائم على ضبط نفسه وكبح جماحها، والإقبال على أعمال الخير والطاعة ، فيتخرجُ فيها المسلم، وقد زكّى نفسه، وجددّ ايمانه، وسلك الطريق المستقيم والمنهج القويم يبتغي الأجر والمثوبة من الله تعالى، ويحرص كل الحرص على عبادته ، كما أن هذه العبادة لعظمها تضاعف فيها الأجور، ولذا نسبها ربنا تبارك وتعالى لنفسه فقال في الحديث القدسي: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ» رواه مسلم، فهذه إضافة تشريفٍ وتعظيمٍ ، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث : " إن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره" ، وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلعُ عليه احدٌ الا الله، أضافه الله الى نفسه، وقال في نهاية الحديث :( يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي)، وقال : " أن الاعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله ، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتَبْتُ له حسنةً فإنْ عمِلها كتَبْتُها بعشرِ أمثالِها إلى سبعِمئةٍ وإنْ همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها لم أكتُبْ عليه فإنْ عمِلها كتَبْتُها عليه سيِّئةً واحدة » رواه ابن حبان .
وهذا الشهر شهر صلة الأرحام والأقارب وزيارتهم، قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ النساء:1، فإن الرحمَ معلقةٌ بالعرش، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ففي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري قال: قال صلى الله عليه وسلم : « لمّا خَلَقَ اللهُ الخلقَ، فلمَّا فرغَ منه، قامت الرَّحِمُ فأخذت بحَقْو الرَّحمن، فقال له: مَه، قالت: هذا مقامُ العائذِ بك من القَطِيعة، قال: ألَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصلكِ، وأقطعُ مَن قطعكِ، قالت: بلى يا ربِّ، قال: فذاك»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا إن شئتم ،﴿فهل عسيتُم إنْ تولَّيتُم أن تُفْسِدوا في الأرض وتُقَطِّعوا أرحامَكم﴾ سورة محمد: 22
إنَّ صلةَ الرحم بركة في الرزق وبركة في العمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » رواه مسلم، وهذه فرصة يجب أن نغتنمها في شهر رمضان، لأن الأجور مضاعفة فكيف إذا كانت متعلقة بالأرحام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ » رواه الترمذي .
وتظل صلةُ الأرحام واجبةً حتى وإن قاطعوك ولم يصلوك، فالأفضل أن تستمر علاقاتك الأُسرية، لتبقى لحمة المودة والمحبة مستمرة ، وإن لك بذلك أجراً عظيماً عند الله تعالى، ورد في الحديث الصحيح أنَّ رَجُلًا قالَ: « يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ » رواه مسلم ، وهذه الصلة مطلوبة وإن بعدت المسافات والحواجز فوسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم كقرية صغيرة، فلا تبخل برسالة أو مكالمة مع أقاربك وأرحامك وأهل بيتك ، فهذه مما تُدخلُ السرور على قلوبهم، وتقويّ الروابط العائلية، والعلاقات الاجتماعية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كلُّ معروفٍ صدقةٌ وإنَّ منَ المعروفِ أن تلقَى أخاكَ بوجْهٍ طَلقٍ وأن تُفرِغَ مِن دلْوِكَ في إناءِ أخيكَ » رواه الترمذي. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»، رواه البخاري.
إن الصائم الذي يمسك عن طعامه وشرابه وشهواته المباحة، قادرٌ على أن يمنع نفسه من المعاصي والمحرمات والاخلاق السيئة، لتحقيق الثمرة من الصيام، وهي ثمرة التقوى (لعلكم تتقون).
إن الفرصة لتغيير السلوك سهلة على الصائم القائم في شهر رمضان، شهر القرآن لنصبح مصاحف حيّة تمشي على الأرض كحال الصحابة رضي الله عنهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ﴾ الرعد:11، فلنطرح حظ النفس جانباً، ونقبل على الفضائل المحمودة، ونهجر الصفات المذمومة فلا غيبة ولا نميمة، ولا تشاحن ولا تباغض، ولا حسد ولا حقد ولا غل ، لتصبح قلوبنا مطمئنة بذكر الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أفضلُ النَّاسِ كلُّ مخمومِ القلبِ ، صدوق اللِّسانِ ، قالوا: صدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه فما مخمومُ القلبِ ؟ قال التَّقيُّ النَّقيُّ ، لا إثمَ فيه ، و لا بغْيَ، و لا غِلَّ ، و لا حسَد » رواه ابن ماجه.
يا مديمَ الصوم في الشهر الكريم صــــــوم عن الغيبة يوماً والنميم
وصلّ صلاة من يرجو ويخشى وقبل الصوم صم عن كل فحشا
وهذا مما يؤدي الى صفاء القلوب ونقائها ؛ ليلقى المسلم ربه تبارك وتعالى بقلب سليم قال تعالى ﴿ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ الشعراء: 89 .
ولا ننسى أن نحافظ على الصلوات المفروضة وصلاة التراويح مع الإمام امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم « مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ » رواه الشيخان. لنجمع بين القيام والصيام الذي ورد فيه ( منْ صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
عباد الله:
لا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، " أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه".
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين