مع تصاعد حدة الضربات الإسرائيلية داخل العمق اللبناني، بدأت ملامح توسع هذه العمليات لتشمل المناطق الجغرافية الرابطة بين العراق وسوريا، مما يعكس رغبة إسرائيل في إنهاء عمليات إسناد حزب الله لوجستياً وتقطيع خطوط الدعم القادمة من الخارج.
ورغم أن الجغرافيا السورية كانت جزءاً أساسياً من التحركات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، إلا أن التحرك الأخير يتجاوز النطاق التقليدي للتحركات ذات الطابع الاستخباري في مناطق نفوذ إيران وحزب الله بدمشق، السيدة زينب، المزة، القصير، وبعض مناطق حلب والساحل. العمليات التي بدأت تصل إلى تدمر والحدود العراقية تحمل في جوهرها أهدافاً لتفكيك أوصال محور المقاومة، عبر استهداف الممر اللوجستي الداعم لحزب الله والميليشيات الإيرانية الذي يمر عبر البوكمال.
ومع ذلك، يبدو أن هذه المواجهة تتجه بشكل أكبر نحو صدام مباشر مع الفصائل العراقية، لتصبح مواجهة مع عناصر عراقية على الأراضي السورية، ما يعني توسعها جغرافياً وارتفاع احتمالات امتدادها أكثر خلال الأسابيع القادمة. قد تشمل هذه المواجهة استهداف الجماعات العراقية أو حتى قادتها، مما يجعل جبهة العراق جبهة مفتوحة قد تؤدي إلى مواجهات أوسع وتداعيات أمنية أكبر.
تشهد الأرض السورية أيضاً تصعيداً كبيراً على عدة محاور ومن عدة أطراف، مما ينذر بتطورات خطيرة في المرحلة المقبلة. التصعيد الواضح من فصائل عشائرية في مناطق البوكمال ودير الزور ضد الميليشيات الإيرانية يشير إلى محاولة فرض واقع جديد في مناطق حدودية حساسة بين سوريا والعراق.
في الوقت ذاته، تعود تنظيمات جديدة، وأهمها تنظيم داعش، للنشاط بقوة في مناطق استراتيجية مثل البادية، السخنة، تدمر في المنطقة الشرقية بحمص، وحتى الجنوب السوري. العمليات النوعية التي ينفذها التنظيم ضد الميليشيات الإيرانية في هذه المناطق تشير إلى أن التصعيد القادم قد لا يقتصر على منطقة جغرافية واحدة، بل يوحي بظهور أطراف متعددة تسعى لبسط نفوذها على مناطق أوسع، خاصة المعابر الحدودية، في ظل الصراع المتصاعد.
يبدو خطر توسع جغرافية المواجهات في الأسابيع القادمة حتمياً. فمسار العمليات الإسرائيلية اليوم يتماشى مع استراتيجية إسرائيل لمواجهة الجبهات السبع، والتي تسير بشكل تدريجي ووفق الأولوية والعامل الجغرافي. استمرار العمليات وتعمقها في المناطق المحاذية للأردن، الضفة الغربية، وسوريا يعني ضمناً ارتفاع مستوى التهديدات الأمنية، وتعاظم خطر الانفلات الأمني في جغرافيا واسعة مثل الجنوب السوري أو مناطق المثلث الحدودي السوري-العراقي-الأردني.
مع تعاظم المواجهات وظهور أطراف متعددة، وبروز تنظيم داعش كعامل فاعل، يُنذر بمواجهات جديدة ومحاولات استهداف قد تكون نوعية، تُقودها عدة أطراف وتتنوع فيها الأهداف، وبالأخص المناطق الحدودية التي تواجه، في حال تصاعد مستوى المواجهات، خطر محاولات الاختراق في إطار السعي لإذابة الحدود وإعادة رسمها وفق مناطق النفوذ.
هذا المشهد التصعيدي يضع الأردن أمام استحقاق جديد من التهديدات يختلف في طبيعته عن كل التهديدات السابقة، حيث يتعاظم شكل الأخطار القادمة ومحاولات الاستهداف من مناطق حدودية طويلة وشائكة.
يجد الأردن نفسه اليوم في مواجهة استحقاقات أمنية جديدة، مختلفة عن كل ما واجهه سابقاً. هذه التهديدات المتصاعدة -والتي قد لا تكون قصيرة المدة- تأتي من الشمال على الحدود السورية، وقد تمتد إلى الحدود الشرقية مع العراق. الأمر الذي يجعل الأولوية الأهم بالنسبة للأردن هي «العبور الآمن» لهذه المرحلة. يتطلب ذلك مواجهة المخاطر غير المسبوقة عبر تبني استراتيجية أمنية متعددة المستويات توازن بين حماية الحدود الخارجية واحتواء التهديدات الداخلية.
في ظل هذه الأوضاع، لابد من الإشارة إلى أن عنصر المفاجأة قد يكون حاضراً في تكتيكات الميليشيات المتصارعة، التي قد تسعى إلى توسيع رقعة الصراع، مما يستدعي جاهزية متقدمة لمواجهة اخطار الخارج واحتواء تهديدات الداخل. ــ الراي
اترك تعليقاً