عند الحديث عن الفساد في اي دولة، دوماً يكون السؤال بذات الصيغة، لماذا ينتشر الفساد في الدول الفقيرة على عكس الدول المتحضرة المتقدمة، وعادة ما تكون الاجابات مختلفة إلى حد ما، إلا أن الجميع يتفق على أن الفساد يُقوض المؤسسات والديموقراطية في الدولة خاصة ما يتعلق منها بتطبيق مبدأ سيادة القانون، ويؤدي إلى تراجع التنمية الاقتصادية، بسبب تعطل آليه تشجيع الاستثمار بسبب انتشار الرشوة، الاختلاس، الاحتيال، الابتزاز، سوء استخدام السلطة، المحاباة والمحسوبية، إضافة إلى استغلال النفوذ وما يتبعه من كسب غير مشروع وغيرها من الصور المتعددة التي تلتقي في ذات المستنقع الآسن الذي يقوض جهود التقدم والتنمية ويحرم المواطنين من حقوقهم .
الفساد يشمل كثير من القطاعات، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الفساد الإداري، المالي، الإعلامي والصحفي، وفي بعض مؤسسات القطاع الخاص والنقابات المهنية وبعض مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى فساد بعض رجال الدين ممن يمتهنون المتاجرة بالأديان ويتربحون منها، بحيث يكفرون من يخالفهم في النهج و يخرجونه من المله، وهناك فساد من النواب الذي يبدو واضحاً حينما يتقاعس النائب عن القيام بواجبه من خلال عدم الرقابة كما هو مطلوب دستورياً على أعمال السلطة التنفيذية، واستجوابها في حال تقصيرها عن اداء واجباتها وعدم القيام بمسؤولياتها المناطة بها، علماً أن المجال هنا لا يتسع للحديث عن الفساد بكافة اشكاله وصوره نظراً لتشعبه وتعدده .
لن اتحدث عن جهود هيئة مكافحة الفساد ودورها ومجالها في التوعية، وكيف أن المملكة كانت من اوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003 وتبعتها التوقيع على الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد عام 2010، وما تبعه التوقيع على العديد من مذكرات التفاهم مع مختلف الدول، ناهيك عن الاستراتيجية الوطنية التي عملت عليها الهيئة بهدف السعي لتنفيذ الفصل الثاني والخامس المتعلق بالتدابير الوقائية وإسترداد الموجودات في ملف مكافحة الفساد واعتماد الية لمراجعة مدى التزام التشريعات الوطنية ومواءمتها مع بنود الاتفاقية، وبيان ماهية التدابير اللازم اتخاذها لتخطي الصعوبات والعقبات التي تعرقل تنفيذ الاتفاقيات، بهدف تحقيق اهداف التنمية المستدامة وبحيث تضمن ديمومة جهود التقدم والسير قدماً في الحفاظ على الموارد اللازمة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كذلك .
سأستبق الحدث، بالحديث عن اليوم الدولي لمكافحة الفساد، الذي يصادف التاسع من كانون أول ديسمبر من كل عام، وسيأتي هذا العام تحت شعار (الاتحاد مع الشباب ضد الفساد و تشكيل نزاهة الغد) وهذا التركيز على دور الشباب في مكافحة الفساد نابع من اهمية الدور الذي يلعبه حراس النزاهة من الشباب كمدافعين ومناصرين، بحيث يشمل هذا الدور زيادة الوعي بشأن تداعيات الفساد واثاره السلبية على المجتمعات وخاصة الفئات الفقيرة منها، من خلال المشاركة بالنقاشات والأنشطة وايجاد الحلول الناجعة لمكافحة الفساد بكافة السبل .
ومن وحي شعار هذا العام في الحملة التي تترافق مع الاحتفال بهذا اليوم العالمي المهم والتركيز على اهمية اشراك فئة الشباب بهذه الجهود، وكون الأردن يحقق تقدماً ملموساً في هذه الصدد، حبذا لو يتم تخصيص واستحداث جائزة سنوية باسم ولي العهد المحبوب الأمير الشاب الحسين بن عبدالله الثاني، كونه الداعم الأكبر للشباب في كافة المجالات، بحيث تُعنى هذه الجائزة بتكريم الشباب المتميزين في مجال مكافحة الفساد، على غرار مسابقة الهاكاثون المعنية بتطوير لعبة إلكترونية تهدف لنشر ثقافة النزاهة و تعزيزها بالإضافة إلى مكافحة الفساد، بحيث تكون هذه الجائزة اكثر شمولية واوسع، وتكون لأكثر الإسهامات تأثيراً في نشر ثقافة النزاهة ونبذ الفساد ومكافحته بكافة السبل من خلال الاشتباك الايجابي مع الشباب ورفع وعيهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر والتيك توك وغيرها باعتبارها الأكثر تأثيراً، وكيفية احداث هذا الاثر.
إضافة إلى المقترحات التي تُحدث تاثيراً على زيادة ورفع وعي جيل الشباب بمخاطر الفساد والوقاية منه بالعمل الاستباقي لتجفيف منابع الفساد واجتثاثه من جذوره بكافة اشكاله سواء المتمثل في الواسطة او المحسوبية او المحاصصة بالتعيينات وغيره، وذلك كله بهدف تعزيز مبدأ الشفافية و تكريس لقيم العدالة والنزاهة .
كلنا نعلم أن الفساد نقيض الإصلاح تصديقاً لقوله عز وجل ( ولا تفسدوا بالارض بعد إصلاحها) وفي آية اخرى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) أي بمعنى أن الفساد من صنع الإنسان والتقاعس عن مكافحته يجر عليه وبالاً وخراباً.
ونستذكر مقولة ابن خلدون مفادها أن انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش وبداية لإحداث شرخ كبير في الدولة .
بقي أن نختم بالقول، أننا نمتلك الادوات اللازمة لإتمام المساعي الرامية لمكافحة الفساد وارساء قيم العدالة الاجتماعية والنزاهة لتحقيق الإصلاح الإداري المنشود عبر اجتثاث منابع الفساد من جذوره، ومن خلال تفعيل التشريعات واحترام مبدأ سيادة القانون إلى جانب المساءلة والمحاسبة لضمان تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية الشاملة والمستدامة ونحن بعون الله قادرون
اترك تعليقاً