لا يختلف اثنان على أن الذكاء الاصطناعي يزحف نحونا بسرعة فائقة، كأنه وحش ضخم ينتظر اللحظة المناسبة لالتقاطنا جميعًا في شِباكه الذكية، ولا يخفى على أحد أن هذا الوحش أصبح حاضرًا في كل زاوية من زوايا الحياة الرقمية، ويهدد بقلب الطاولات على العديد من الصناعات، من صناعة الإعلام إلى منصات التواصل الاجتماعي.السؤال الذي يراود الكثيرين: هل نحن فعلًا مستعدون للتعامل مع هذا الوحش؟الحكومة الأردنية، كعادتها، أطلقت مبادرات عدة لدمج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، وتقول لنا: “نحن أيضًا قادرون على ترويض الوحش!” فقد أُنشئت سياسات واستراتيجيات تشجع على الابتكار التكنولوجي، كما أعلنت عن برامج تدريبية وورش عمل تهدف إلى زيادة الوعي لدى الشباب حول استخدامات الذكاء الاصطناعي، وتعاونت مع مؤسسات تعليمية لتقديم برامج تدريسية في هذا المجال.لكن السؤال الذي لا نملك ترف تجاهله هو: هل هذه الجهود حقًا كافية؟ فعندما ننظر إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نرى إعلاناتها الرنانة في الدول المتقدمة، قد تبدو جهودنا أشبه بمحاولة مسح بحر التكنولوجيا المتلاطم بقطرة ماء! ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الأردن يسعى لدخول هذا المجال، وربما تتسارع الخطى ضمن الاستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي والخطة التنفيذية 2023-2027، التي جاءت استنادًا إلى توصيات السياسة الأردنية للذكاء الاصطناعي لعام 2020، والتي تطلب تطوير إطار استراتيجي عام لتفعيل الذكاء الاصطناعي في كافة ال?طاعات ذات الأولوية، إضافة إلى إيجاد خارطة طريق بإطار زمني محدد لتنفيذ المشاريع والمبادرات المنبثقة من الاستراتيجية وخطتها التنفيذية.الاستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي تحتوي على رؤية واضحة نطمح من خلالها إلى الارتقاء بالأردن ليكون من الدول الرائدة والمنافسة على مستوى الإقليم في هذا المجال، من خلال تهيئة بيئة تشريعية وتكنولوجية وريادية جاذبة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، واستغلال المنظومة الوطنية الداعمة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل الموارد البشرية الأردنية الكفؤة والمدربة والبنية التحتية الرقمية للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني.بينما تحاول الحكومة مواكبة الذكاء الاصطناعي، نجد أن الشركات الخاصة بدأت تدرك أهمية التوجه نحو الذكاء الاصطناعي كوسيلة للبقاء في ساحة المنافسة، فالشركات الكبيرة بدأت تستثمر في تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات والتنبؤ بسلوك المستهلكين، ما يُظهر مستوى من الجدية، ولكن يبقى التحدي الأكبر أن الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تزال تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كترف لا تحتمله ميزانيتها.أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فيبدو أن الذكاء الاصطناعي على وشك إحداث زلزال حقيقي في صناعة المحتوى، قد لا نستطيع مجاراته! فقد أصبح بالإمكان إنتاج مقاطع فيديو قصيرة، وصور، ونصوص، كلها بتدخل بسيط من الإنسان. وهذا ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل صناعة المحتوى بالكامل، حيث تصبح عملية إنتاجه أسرع وأرخص وأكثر تخصيصًا.لا يمكننا تجاهل أن الإعلام التقليدي في الأردن قد يشعر بالتهديد، فمع التطور السريع للذكاء الاصطناعي الذي يستطيع كتابة مقالات وتحليل أخبار بسرعة أكبر ودقة عالية، أصبح الإعلام التقليدي وكأنه ديناصور عالق في العصر الرقمي.لكن ربما لن يكون الحل في محاولة التغلب على الذكاء الاصطناعي، بل في التأقلم معه وتطويعه. فعلى الإعلاميين أن يتعلموا كيفية استخدامه كأداة مساعدة بدلًا من أن يكون تهديدًا، وأن يتبنوا الابتكار لرفع جودة المحتوى.الذكاء الاصطناعي قادم، سواء كنا مستعدين أم لا. الأردن بدأ خطواته، ولكن يجب أن يعززها بخطى أسرع وأكثر طموحًا، ويجب التعامل مع هذا الوحش بوعي وحذر لمواجهة تحدياته، خاصة الأخلاقية. إذ تعتبر أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ضرورية لضمان أن تكون هذه التكنولوجيا في خدمة البشرية بشكل آمن وعادل.يتطلب الأمر التوازن بين الابتكار والتقدم التكنولوجي وبين حماية حقوق الأفراد والمجتمع، من خلال الاهتمام بالقيم الأخلاقية في كل مرحلة من مراحل تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن ضمان أنه سيظل أداة فعّالة وموثوقة في مختلف المجالات
اترك تعليقاً