تطوراتٌ دراماتيكيّة دموية شهدتها سوريا خلال الأيام الماضية، فاجأت المراقبين والمتابعين، إذْ سقطت خلالها ثاني أكبر المدن السورية حلب بأيدي «ميليشيات مسلحة» يسميها البعضُ زوراً وبهتاناً بــ «المعارضة السوريّة»، وهي عبارة عن بقايا جماعات إرهابيّة قيل إنّها انتهت، إلّا أنّنا نراها اليوم قوة ضاربةً مدجّجة بالدبابات والمدرعات وطائرات الدرونز، وتحتل المدن السورية واحدةً تلو الأخرى، وتذبح أكثر من 370 مواطنًا سوريًا في يوم واحد. فما الذي يحدث، وما هو موقف الأردن؟هذه التطورات، وقعت فور وقف إطلاق النار بين جيش الاحتلال الصهيونيّ وحزب الله اللبناني، فتهدأ هنا، وتشتعل هناك، وكأنه لا يُراد لهذه المنطقة أنْ تنعم بالاستقرار، فاللاعبونَ والطامعونَ كُثُر، ويبدو أنّهم وضعوا المنطقة قصداً بينَ النيران.وفي ظلِّ هذه التّطورات المتسارعة برزَ الموقفُ الأردني، وعلى لسان جلالة الملك عبدالله الثاني بتأكيده رفضَ أيّ محاولاتٍ تمسُّ وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقرارها. وهذا الموقف نابع من الحرص الأردنيّ على مواجهة مخاطر سيناريوهات تفتيت سوريا وتهديد المنطقة بأكملها.هذا الظهور المفاجئ لميليشيات ما يسمى «هيئة تحرير الشام»، بهذه الطريقة القوية والصادمة في دمويّتها، وسيطرتها على حلب والعديد من المدن والقرى السّورية، يثير تساؤلاتٍ عديدة، حول الجهات المموّلة والداعمة لها تسليحاً وتخطيطاً وتنظيماً، وكيف تمكّنت جماعات بعضها ذات أسماء مجهولة ولا نعرف كيف تشكّلت، أن تمتلك دبابات ومدرعات وطائرات مُسيرة وتحشد آلاف المرتزقة للسيطرة على حلب وأكثر من 40 بلدة ومطار في يومين؟!.يبدو من طريقة إدارة المشهد، أنّ دولة أو دولاً كبرى خططت ودعمت وحشدت وأعطت أمر الهجوم المفاجئ، فهذه العملية يستحيل على هذه الجماعات المسلحة أنْ تنفِّذها وحدها، ولكن، مَن الذي يقف وراءها، علينا أن نبحث عن المستفيد من تدمير المدمَّر من سوريا، واستباحة دم الشعب السوري مُجدداً وإشاعة الفوضى وتقسيم سوريا على أسس طائفية ضعيفة!!.هذه الجماعات التي ألبسوها ثوبَ الإسلام وهو منهم براء، أداةٌ تنفيذيّة بيد مَن شكّلها وأسسها للبطش بالشعب السوري مجدداً، وفتح الباب أمام التدخل الإسرائيلي المباشر من خلال إشاعة الفوضى سعياً للسيطرة على مزيدٍ من الأراضي العربيّة واحتلالها، ما يضع المنطقةَ العربيّة على أعتاب كارثة جديدة، لا نعرفُ بعدُ مدى تداعياتها على الأردن.فالأردن، يتمسك بموقفه في الحفاظ على أمن سوريا واستقراراها وسلامة أراضيها، وأيّ حل للأزمة السورية يجب أن يستند إلى الحفاظ على استقلال سوريا وسيادة أراضيها، فاستمرار الفوضى تعني تهديد استقرار المنطقة برمّتها، بما في ذلك الأردن الذي تأثر بالأزمة السورية مباشرة من لحظة اندلاعها في 2011 واستقبل أكثر من مليون لاجئ سوري إلى يومنا هذا، ومخاوف تجدّد موجات النزوح بدأت تلوح في الأفق من جديد..!!.كما يستند الموقف الأردنيّ، إلى مبدأ الحلّ السياسيّ الشامل وإعادة اللاجئين إلى سوريا ووقف نزيف الدم المتواصل، ورفض التدخلات الأجنبية الساعية إلى تحقيق مطامح ضيّقة على حساب الشعبِ السوري واستقرار المنطقة برمّتها، فقد عانى السّوريون الويلات بما يكفي، وآن الأوان أنْ تتوقفَ لغة السلاح، وتسود لغة الحوار بين الأطراف الفاعلة في الملف السوريّ.وعلينا أن نتساءل هنا، أين كانت هذه الميليشيات التي ترفع عباءة الإسلام من حرب الإبادة الصهيونية في غزة وما جرى في لبنان ويجري في الضفة الغربية، وعلينا أن نتتبع أفعالها أثناء الهجوم على حلب والمدن والقرى السوريّة، وما نفذته من أعمال قتل مباشر استهدف السوريين بالمئات، بل طال الهجوم البنية التحتية سعياً للقضاء على فرص إعادة الأعمار، بهدف إبقاء سوريا ساحةً للمعارك الإقليمية والدولية لأطول فترة ممكنةٍ على غرار ما وقع في العراق.والمشهد قد يزداد تعقيداً، إذا عبر الحشد الشعبيّ العراقي الأراضي السورية ودخل المعركة ضدّ هذه الميليشيات ليملأ الفراغ الذي تركه حزب الله الجريح جراء الحرب الأخيرة والضربات القوية التي تعرض لها، ما يفتح الباب أمام التدخل الصهيونيّ المباشر، ويحول سوريا إلى فوضى لا نستطيع أن نتخيّلها أو نتوقع تداعياتها..!!.الموقف الأردني يعكسُ وعياً حقيقاً بالمخاطر الكبيرة التي قد تلحق بسوريا والمنطقة برمتها، وأهمية الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها لما ينعكس إيجابًا على أمن الاقليم، ففي ظلِّ كل هذه التطورات والتحديات يبقى الأردن قوياً ومتمسكاً بموقفه النابع من المصالح العليا للبلاد والمنطقة، ونصيراً للشعب السوريّ الشقيق في حماية حقوقه والدفاع عنها وصولاً إلى العيش بأمن وسلامة وكرامة على كامل الأراضي السوريّة.ولكن، قد يثور تساؤل عن ماهية موقف الأردن، وما ينبغي أن يفعله في حال سيطرت هذه الميليشيات على سوريا، ودخلت دمشق وعمت الفوضى في البلاد..؟! فكيف سيتصرف الأردن لحماية مدنه وحدوده الشمالية، وما هي الخيارات الممكنة؟!!
اترك تعليقاً