إن المذكرة التاريخية التي قدمتها حكومة جنوب افريقيا لإثبات جرائم الابادة الجماعية قد ترسي سابقة تاريخية في القانون الدولي، إذ لن يتم النظر في الجرائم الفردية فقط، بل في مسؤولية الكيان بأسره – عبر حكومته ومؤسساته –لتدمير شعب تحت الاحتلال.أمام الكيان الصهيوني حتى يوليو العام المقبل للرد على الأدلة المدونة على 750 صفحة من الملاحظات و4000 صفحة من الملحقات، في لحظة حاسمة للقضية المتوقع بدء المحاكمات فيها بحلول 2026 خاصة إن صدور حكم ضد الكيان الصهيوني سيؤدي إلى وضع سابقة مهمة قد تُحمّل الدول مسؤولية تنسيق جرائم الإبادة، بما قد يغير مفهوم القانون الدولي في محاسبة الدول عن الجرائم الكبرى وترسل برسالة قوية بأن المسؤولية الجماعية للدول عن الجرائم لن تبقى خارج نطاق العدالة.أما بالنسبة لنا ولأنصار العدالة حول العالم، فهذه القضية تمثل نداءً جماعياً للتأكيد على أن النضال من أجل الكرامة والحقوق يمكن أن يتجسد أيضاً في قاعات المحاكم، حيث يُكتب التاريخ حُكماً بعد حُكم. لكن لنكن واضحين، فإن قضية بهذا الحجم أمام عدو لا يعرف للأخلاق سبيلا تستلزم تمويلاً كبيرا يغطي نفقات التحقيق والمحاكمة لذا لا بد من إطلاق حملة تمويل منظمة عبر تأسيس هيئة قانونية تجمع التبرعات وتدير الموارد لدعم القضية، بما يعكس الجدية ويساهم في إبراز أهمية المشاركة الجماعية من أجل تحقيق العدالة.وكما هو معروف فقد وقعت كل من جنوب أفريقيا والكيان الإسرائيلي على اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 التي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص القضائي للفصل في النزاعات على أساس المعاهدة، وتلزم الاتفاقية جميع الدول الموقعة بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية وبمنعها والمعاقبة عليها. والمفارقة الكبرى أن المحكمة التي أنشئت بعد بمساهمة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، تواجه اليوم قضية تتهم أحد مؤسسيها بالإبادة.ومعروف أيضا أن الكيان الصهيوني يسعى للحصول على دعم واشنطن، موقناً بأن الحكم المحتمل قد يؤثر على تحالفاته، خاصة مع وجود تحولات في الرأي العام العالمي حول الاحتلال، فإذا وجدت المحكمة أن الاتهامات صحيحة، فإن ذلك قد يضعف استمرار الدعم الأميركي ويجعل الدعم السياسي والدبلوماسي أكثر حساسية، فهل نكون امام عصر جديد من المساءلة الدولية؟
اترك تعليقاً