لم نشهد ثورات حقيقية على مدار نصف قرن تقريباً، وما تم من تغييرات في العالم وهو مجرد انقلابات حيث تم استبدال حاكم بآخر دون ان ينعكس الأمر على فلسفة الحكم بتلك الدولة بما في ذلك الذي تم في مصر في عام 2011، فالثورة تهدف إلى تغيير فلسفة الحكم من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يتم ذلك إلا من خلال وضع دستور جديد يعيد كتابة او تنظيم علاقة الفرد بالسلطة، أو وضع عقد اجتماعي جديد ما بين الحاكم والمحكوم.ومن المبكر جدا الحكم على ما حدث في سوريا مؤخرا، حيث تم الانقلاب على نظام بشار الأسد والإطاحة به في ظل مساندة دولية وإقليميةللثورة، والدولة السورية تمر حاليا في مرحلة انتقالية، حتى يتم وضع دستور جديد أو تعديل الدستور القائم (كما ذكرت الحكومة المؤقتة) وفي العادة في مرحلة الانقلابات او الثورات، تقوم السلطة الواقعية (من قاموا بالثورة) بحكم البلاد من خلال إعلانات دستورية، ولحين وضع دستور دائم للبلاد، وهذا لم يحدث في سوريا حتى اللحظة، لأن نجاح الثورة يعني السقوط الحكمي للدستور، فالدستور لا يعترف بالثورة، والثورة لا تعترف بالدستور، عليه، فإن بقاء الدولة واستمرارها أهم من بقاء الدستور.ونظرية العقد الاجتماعي (كما وضعها روادها/ لوك وهوبز وروسو) تهدف إلى عقلنة الفرد بحيث يتخلى طواعية عن حريته الطبيعية من أجل الحصول على منافع النظام السياسي، تعتبر عامل أساسي في كتابة الدستور السوري الجديد، ولكن لا يمكن استخدام أدوات الماضي في الحكم على الحاضر والمستقبل في هذا الخصوص. ومن أجل بقاء الدولة السورية واستمرارها وحفظ وحدتها وتجاوز حقبة الماضي لابد عن وضع العقد الاجتماعي الجديد أو كتابة الدستور الجديد لابد من مراعاة ما يلي:اولاً: لابد من الإدراك بأن النصوص وحدها غير قادرة على حل المشكلات التي يعاني منها المجتمع، وهي مشكلات قديمة ومتراكمة وتحتاج الدولة الى فترة زمنية لحلها، لذلك فإن من يطبق هذه النصوص هو من يطلب منه حل هذه المشكلات لا سيما التي تتعلق بحياة الناس المعيشة، لذلك الحرص كل الحرص على اختيار أصحاب الكفاءة والمؤهلات والخبرات في إدارة الشأن العام ويأتي على راسهم الوزراء، دون اقصاء او تهميش أي فئة او طائفة، فالتحول الديمقراطي يشارك فيه كل أبناء الدولة. فلا خوف من مستقبل يهددهم أو ماضي يتذكرهم.ثانياً: تشكل القواعدالدستورية، القانون الأعلى أو الأسمى في الدولة، ذلك أنها تتعلق بنظام الحكم في الدولة، فهي التي تحدد الأسس الفكرية أو الفلسفية التي يقوم عليها هذا النظام، وهي التي تبين السلطات الأساسية جميعها، من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وكذلك كيفية مباشرة كل من هذه السلطات لاختصاصاتها، وعلاقة كل منها بالأخرى، كما تبين أخيراً حقوق الأفراد وحرياتهم، ولهذا فهي تمثل الإطار القانوني العام الذي تدور أو يجب أن تدور في فلكه جميع أوجه النشاط القانوني في الدولة، مما يجعل لها مكان الصدارة على سائر القواعد القانونية الأخرى، وهو ما يعرف بمبدأ سمو الدستور أو علوه.ثالثاً: الدعم الدولي للثورة السورية، قد يلقي بضلاله على نصوص الدستور من عدة جوانب منها:1. نحن أمام نسخة جديدة من الإسلام السياسي، والذي قد يدور ما بين النسخة التركية (الاوردغانية) او النسخة الماليزية (مهاتير محمد)، لكن سوف يبتعد بالضرورة عن النسخة المصرية (الاخوان المسلمون) او التونسية (الغنوشي)، لان دوائر السياسة الغربية لاسيما الامريكية منها، تدرك بأنه لا يمكن حكم منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بعيداً عن الدين، لذلك سوف تدعم هذه النسخة من الإسلام السياسي والتي لا تهدف الى أسلمة الدولة السورية.2. الدستور ليس مجرد وثيقة تنظم علاقة الحاكم بالمحكوم، بل أبعد من ذلك، فلابد من ضمان العدالة بين طبقات المجتمع السوري، ولابد ان يكون الدستوري عصري، يتوافق وقيم العالم المتمدن في القرن الحالي، ولابد من مراعاة مصالح الأجيال السورية القادمة.ودائما آمل الشعوب بعد الثورات كبير جدا، وآمالهم في الذين لا أمل لهم كما يقول الشاعر العراقي (عبد الأمير جرص)
اترك تعليقاً