نعيش في عالم تملؤه الكراهية. فالكراهية مجرد فكرة، لكنها يمكن أن تُترجم بسهولة إلى أفعال مدمرة على أرض الواقع. المؤشر الأول للكراهية هو الكلمة وتكرارها، الاشهر بما يُعرف بخطاب الكراهية، والتي تعد مؤشراً دقيقاً على احتمالية اندلاع العنف أو غيابه في أي مجتمع، ويلعب الإعلام دوراً محورياً في كل ذلك.
يتطلع الناس دائماً إلى السلام على أمل لمنع العنف أو المحاولة في وقفه. فالدول التي تبدأ الحروب لا بد أن تتحدث عن السلام في نهاية المطاف، بعد أن تُنهكها ويلات الدمار.
الحرب والسلام هما سياسة الكون منذ البدء. ففي أوقات الرخاء يكون الحديث عن السلام لترسيخ قيمه، وليعم الاستقرار، ومنه تحرز المجتمعات الازدهار والتقدم. انما يبقى الطمع العائق الذي يجرف المجتمعات إلى المزيد من النزاعات التي تنتج عنها الحروب والتفكك. ووقتها، وبعد مدة تصبح المطالبة بالسلام أمراً ملحاً. في كلتا الحالتين هناك مؤشراً واضحاً،وهو الكلمة المتداولة، وبالذات في الاعلام.
الكلمات والعبارات التي يتداولها الإعلام في أوقات النزاعات، كما في أوقات الرخاء والهدوء على حد سواء، يمكن أن تكون مؤشراً قوياً لما إذا كانت المرحلة القادمة ستتسم بمزيد من العداء أو التقارب. ففي وقتنا الحالي، يؤدي الإعلام دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام والتأثير على السرديات، وهذه حقيقة. فمن خلال تحليل اللغة المستخدمة في العناوين والتقارير والبث الإعلامي، يمكن معرفة التوجه العام للمجتمع. فإذا ركّز الإعلام مثلاً على مصطلحات مثل السلام، والمصالحة، والحوار، فإنه يعكس حالة من الاستقرار في المجتمعات، بينما قد تنبه الكلمات العدائية والمتحيزة والمثيرة للانقسام بتصعيد مستقبلي للاوضاع، لان اللغة المستخدمة في الإعلام، وعلى المواقع الرقمية أيضاَ، ليست مجرد انعكاس للواقع فحسب، بل مؤشراً على مستقبل أكثر استقراراً، أو اضطراباً.
وأما العالم الرقمي الذي يعيش فيه 5.35 مليار مستخدم أي ما يمثل 66% من سكان الارض، والذي يشهد تطوراً سريعاً ومستمراً، أصبح مساحة لتزايد ملحوظ في خطاب الكراهية، وكأنه وُجد خصيصاً لهذه الغاية، حيث تستخدم فيه مصطلحات تشجع على العنف، أو التقليل من الاهمية، أو التهديد أو تشجع عليهم.
عودة الى الكلمة وقوتها، فمجرد رصد هذه التغيرات الطفيفة في لغة الأخبار المتدفقة بإستمرار يمكن أن يساهم في تعزيز التماسك المجتمعي في أوقات عدم الاستقرار، مع إدراك أن السلام ليس غياباً للنزاع، بل هو القدرة على إيجاد حلول فعّالة للتعامل معه.
يُعرف الأردن بأنه أرض السلام، وتحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لعب دوراً محورياً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص حقوق الفلسطينيين، والسعي نحو إيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني المستمر. وغالباً ما يستخدم جلالة الملك عبدالله الثاني كلمات وعبارات تعكس قيم السلام، مثل: السلام، الاستقرار، الحوار، العدالة، المصالحة، الوحدة، التضامن، والازدهار.
وتردد الحكومة الجديدة مصطلحات أيضاً تعكس طمأنينة وتعطي نوعاً من الامل، وهدفها ترتيب وتنظيم بيتنا الداخلي، فنسمع مثلاً عن «محاربة البيروقراطية»، و»إصلاحات»، و»تعاون»، و»برامج تدعم»، و»تنشيط»، وغيرها، التي تأتي في محيط مثقل بالمعاناة ومهضوم الحقوق، فيه الانسانية منهكة ، ولم يعرف سوى النزاع والقتل والعنف.
ماذا لو بدأ الإعلام، العالمي والمحلي، باستخدام خطاب السلام بدلاً من التركيز على الكراهية في الأخبار؟ لقد أظهرت الأبحاث أنه لا توجد كلمات أقوى لتعزيز خطاب السلام من مفردات مثل: «الانسجام»، «الاعتدال»، «الأمن»، و»الاحترام». بالإضافة إلى ذلك، تسليط الاعلام الضوء على الأسرة، والتركيز على تطوير النظام التعليمي، وتغطية الفعاليات المجتمعية بإيجابية لها تأثيرها الايجابي الكبير على الافراد، لانه لا يعكس فقط استقرار الدولة، بل يدل أيضاً على سياسات قوية وواعية. وبمعنى اّخر، عندما يركّز الإعلام على بناء المجتمع من خلال الكلمات، فإنه يُظهر قدرة الحكومة على فرض سلطتها وتعزيز مكانتها.
مواجهة خطاب الكراهية وداعميه يتطلب إرادة حقيقية وإيماناً راسخاً بأن السلام أقوى من الكراهية، وأن الكلمة البناءة قادرة على دحض الفتنة، فالمجتمعات التي تختار لغة التسامح والاحترام تُفشل مخططات مُروّجي الكراهية وتبني مستقبلاً أكثر إشراقاً لأبنائها، وتبقى قوة الكلمة ليست في حدّتها، بل في قدرتها على توحيد القلوب وبناء الأوطان.
اترك تعليقاً