في عام 1961، قدم الأستاذ شفيق إرشيدات، أحد أبرز المفكرين العرب، رؤية ثاقبة في كتابه المميز عن فلسطين “فلسطين تاريخا وعبرة ومصيرا” المنشور عام 1961. تناول هذا الكتاب قضية الانتداب البريطاني على فلسطين، مسلطًا الضوء على بطلان صك الانتداب البريطاني على فلسطين والاردن من الناحية القانونية، وداعيًا العرب لتقديم شكوى للأمم المتحدة لاستعادة الحق الفلسطيني ومحاسبة القوى الاستعمارية على أفعالها.اليوم، بعد أكثر من ستة عقود على نشر هذه الأفكار، نجد أن أطروحاته لا تزال ذات صلة بالسياقين التاريخي والقانوني، إذ تضعنا أمام مسؤولية إحياء هذه الرؤية وإعادة طرحها في ضوء التحديات الراهنة.صك الانتداب البريطاني: انتهاك للقانون الدوليفي عام 1922، منحت عصبة الأمم بريطانيا صك الانتداب على فلسطين، واضعة أساسًا قانونيًا وغطاءً سياسيًا لتنفيذ وعد بلفور (1917) الذي نص على إقامة وطن قومي لليهود. لكن توقيت هذه الخطوة يثير تساؤلات قانونية جوهرية:1. شرعية الانتداب- حتى توقيع معاهدة لوزان عام 1923، لم تكن الدولة العثمانية أو وريثتها تركيا قد تنازلت رسميًا عن فلسطين لصالح القوى الغربية علما ان اتفاقية سيفر لعام 1920 التي تضمنت الاتفاقية التنازل عن الأراضي العربية للحلفاء المنتصرين لم تنفذ بسبب مقاومة مصطفى كمال اتاتورك وحرب الاستقلال التركية التي أدت الى اسقاط الحكومة العثمانبة. هذا يجعل أي إجراء قبل هذه المعاهدة مخالفًا للقانون الدولي.2إغفال حق تقرير المصير- صك الانتداب تجاهل بالكامل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو حق أقرّته مبادئ عصبة الأمم ذاتها.رؤية شفيق إرشيدات: قراءة عميقة واستباقيةأدرك الأستاذ شفيق إرشيدات خطورة هذا الانتهاك منذ وقت مبكر، وعبّر عن ذلك في كتابه من خلال تحليل قانوني وسياسي متكامل. دعا إلى تحرك عربي موحد لتقديم شكوى قانونية ضد الانتداب البريطاني، مُطالبًا بما يلي:1إعادة النظر في الأسس القانونية- أكد أن صك الانتداب لا يتمتع بالشرعية القانونية، لأنه صدر قبل انتهاء السيادة العثمانية على فلسطين.2. محاسبة القوى الاستعمارية- شدد على ضرورة تحميل بريطانيا مسؤولية ما ترتب على الانتداب من أضرار سياسية وإنسانية للشعب الفلسطيني.3التوجه للأمم المتحدة- طالب الدول العربية برفع دعوى رسمية أمام الأمم المتحدة، مستندًا إلى انتهاكات القانون الدولي والشرعية الأممية.قراءة معاصرة لرؤية شفيق إرشيداتاليوم، تُعد أطروحات الأستاذ شفيق إرشيدات ذات صلة أكثر من أي وقت مضى. في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتفاقم المأساة الفلسطينية، يمكن استلهام رؤيته لتشكيل استراتيجية جديدة للدفاع عن الحقوق الفلسطينية.1. إحياء القضية قانونيًا- يمكن تشكيل لجان قانونية عربية ودولية لإعادة فتح ملف الانتداب البريطاني أمام المحافل الدولية.2. التوجه للرأي العام العالمي- مع تطور وسائل الإعلام، يمكن بناء حملة عالمية تُبرز الانتهاكات القانونية والتاريخية التي تسببت فيها القوى الاستعمارية.3. تعزيز الوعي الأكاديمي- دعوة الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لدراسة هذا الجانب المهم من القضية الفلسطينية ضمن مناهج التاريخ والقانون.الخاتمة: مسؤولية تاريخيةإن كتاب الأستاذ شفيق إرشيدات لا يعد مجرد تحليل تاريخي، بل وثيقة مهمة تسلط الضوء على بُعد قانوني مهمل في القضية الفلسطينية. إن إحياء أفكاره يمثل خطوة نحو إعادة صياغة سردية النضال الفلسطيني بأسلوب يجمع بين الأصالة والرؤية المستقبلية.دعونا نستلهم هذه الرؤية الجريئة ونسعى لإعادة فتح ملف الانتداب البريطاني، مطالبين بالعدالة للشعب الفلسطيني الذي طال انتظاره
اترك تعليقاً