الحراك الذي أحدثه برنامج التنمية السياسية كان ملفتا ومثيرا ليس على المستوى الداخلي فحسب فقد اثار اهتمام الكثير من المراقبين والدبلوماسيين وصناع المحتوى ” Bloggers” الذين تناولوا فكرة ساحات الحرية بكثير من التعليقات والترحيب والنقد . في منابر اخرى اجرى البعض تحقيقات صحفية مطولة وظهرت عناوين للصحف كان أحدها يقول Finally the City of Circels Gets its Square”. لقد ظهر هذا العنوان على غلاف مجلة Jo Magazine لشهر تموز 2006.لا اعرف كم مرة استقبلت بعض سفراء الدول العربية المجاورة ممن زاروا الوزارة وحاولوا الاستفسار عن البرامج التي تقوم بها الوزارة . استقبلت وفدا من الكونجرس الامريكي توقف في طريقه للعراق وتباحثنا حول ما يجري في المنطقة ودعيت للمشاركة في احتفال اقامته اليونان بمناسبة احتفالات اقدم ديمقراطيات العالم بإعادة افتتاح أكاديمية أفلاطون وقد خصص لي كلمة في الاحتفال الذي حضره عشرات الفلاسفة والمفكرين والساسة من ارجاء العالم .
في كلمتي التي لم تتجاوز العشرة دقائق تحدثت عن اخلاق الإسلام ونظام الحكم والعلاقة بين الحكم والأخلاق والقومية والدين في النظام الهاشمي وكيف يمكن ان يشكل ذلك نموذجا ونظاما يختلف عن الملكيات والجمهوريات والاتحادات الفدرالية والنظم الثيوقراطية.لقد اتاحت لي المناسبة ان التقي ب Anthony Giddengs احد اهم علماء الاجتماع المعاصرين الذي تحدث خلال احتفال الغداء الذي اقامته الاكاديمية عن السياسة بصفتها فن إدارة المخاطر فهو لا يرى في التاريخ وحركته الا سلسلة من الأحداث التي تملي على الأنظمة والافراد الاستجابة والتكيف فالتعليم يواجه مخاطر الجهل والطب يواجه مخاطر المرض والنقل يواجه مخاطر العزلة والاتصال يواجه مخاطر الوحدة والانكفاء على الذات…في اليوم الاول لزيارتي القصيرة لليونان التقيت وزيرة الخارجية اليونانية ومجلس النواب اليوناني الذي التقيت رئيسه واطلعت على اسلوب عمل اللجان التي تناقش كل مشاريع القوانين والتعديلات ضمن اطار الرزم التشريعية التي تحكم عمل القطاعات والمجالات التي تنظمها وتحرص على خفض هدر الوقت وتجنب المناقشات العامة والموسعة التي قد لا تفضي الى نتائج ترتبط بإرادة المجلس .رافقني في كافة الزيارات السفير اليوناني بعمان والاستاذ فواز العيطان مساعد السفير حيث لم يتمكن وقتها السفير محمد الداودية المشاركة في اي من الاجتماعات لمعاناته من وعكة صحية .خلال العام اعدت الوزارة احد عشر تقريرا تفصيليا عن اوضاع المحافظات من حيث مواردها وسكانها ومطالبها وتنظيماتها ومشكلاتها وقد كشفت بعض التقارير عن تعطل او تعطيل مجالس للتنمية في المحافظات حيث لم يتمكن مجلس تنمية الطفيلة من إنفاق الأموال التي خصصت له بسبب انشغال القائمين على المجلس الامر الذي ادى الى اعادة اكثر من ٩٠% من الأموال المخصصة لتنمية المحافظة الى الخزينة وقد رصد التقرير المستند الى الحوار مع المؤسسات والدوائر وجود حاجات ملحة كان بالإمكان تلبيتها لو انعقد مجلس التنمية واستخدم المخصصات في أعقاب نشر التقرير ومناقشته زار جلالة الملك المحافظة وتم دعم المجالس البلدية بمبالغ مالية وانفق على بعض المشروعات المجمدة والمعطلة بسبب قلة المتابعة …رحلة العمل كعضو في الحكومة كانت رحلة مثيرة فيها الكثير من النشوة والرضا والاحساس بان الأمور تتحرك الى الامام الا انها لم تخل من التوتر وسوء الفهم . ففي ذات يوم اجريت لقاء صحفيا مع جريدة الدستور ووجه لي سؤالا حول موعد الانتخابات القادمة فقلت انها ستكون في موعدها الدستوري . بعد نشر اللقاء في الصحيفة هاتفني دولة الرئيس ليسألني هل صحيح انك قلت أن الانتخابات ستجري في موعدها فقلت نعم فاجاب بس يا دكتور هذه صلاحيات جلالة الملك فقلت وانا لم أقل ما يتعدى على صلاحيات جلالة الملك . الانتخابات حسب الدستور تجرى كل اربع سنوات ولجلالة الملك الحق في ان يأمر بالتمديد او الحل . فقال رجاء يعني في مثل هيك موضوعات توخى الحذر فقلت يا باشا لو سئلت الأن نفس السؤال سأجيب نفس الإجابة فانا وزير شؤون برلمانية وينبغي ان اجيب إجابات مستمدة الى الدستور وانا احترم توجيهاتك واذا رأيت ان من الممكن أن يكون ذلك مزعجا فانا سأكون سعيدا في اعفاء دولتك من الحرج وسأنزل عند أول محطة ..ضحك ابو سليمان ضحكته الهادئة وقال بتحكي صحيح بس بتخاف البعض يفسر ذلك تفسيرا يخرجه عن مقاصده. كانت هذه المرة الأولى التي تحدثت فيها مع دولة الرئيس الذي احترم واتلقى ملاحظات منه حول ما اقوم به. لا اظن ان ما حصل بيني وبين دولة ابو سليمان خلافا بالمعنى الدقيق للخلاف فهو يعرف اكثر مني ان ما قلته صوابا لكنه كان يحاول القول ان هناك من يتربص بالحكومة ويحاول الاصطياد في المياه العكرة . لاحقا كتب احد المندوبين والصديق لاحد الزملاء في الحكومة تحليلا طويلا قال فيه ان صبري الربيحات او مفتي الحكومة يعطي رأيا في كل القضايا ولا يعقل ان يكون هناك وزيرا يعرف في كل أمور العمل بنفس درجة المعرفة . كنت اعرف وقتها ان النيران الصديقة بدأت بالاقتراب من ساحتي ومع ذلك لم اتوقف عن أداء الامانة بكل ما أوتيت من خبرة ومعرفة وخلق ومسؤولية وجهد … لقد استمر ذلك حتى بعد ان تم ابلاغي بخروجي من الحكومة وانا أدير ورشة للتنمية السياسة كانت تبث على الهواء وأرد على اتهامات احد المشاركين للدولة والحكومة باتهامات لا اساس لها .
بعد ان تلقيت اتصالين متتالين من رئاسة الوزراء والديوان الملكي قلت لأكثر من ٤٠٠ مشارك في ورشة كنت اديرها لقد تم الاتصال بي لابلاغي بخروجي من الحكومة في التعديل الذي سيجري بعد ظهر اليوم لكني لن ابرح هذا المكان قبل ان انهي هذه الورشة .
اترك تعليقاً