مع سقوط نظام الأسد الذي حكم سوريا لأكثر من نصف قرن، تبدو سوريا الجديدة مرشحة لتصبح ممراً استراتيجياً لنقل الطاقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
هذا الطموح الذي تدعمه عوامل محلية وإقليمية يواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة. شهدت السنوات الماضية طرح عدة مشاريع لخطوط أنابيب الغاز تربط الشرق الأوسط بأوروبا، مثل خط الغاز العربي الذي يربط مصر بالأردن ولبنان وسوريا وصولاً إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
كذلك برزت مشاريع أخرى، مثل خط الغاز الإيراني إلى تركيا، وخط الغاز العراقي إلى أوروبا عبر أنقرة.
لكن المشروع الأكثر طموحاً كان خط الغاز القطري، الذي كان من المخطط أن ينطلق من قطر، ويمر بالسعودية والأردن، ليصل إلى سوريا وتركيا ومنها إلى بلغاريا و أوروبا، ما قد يعيد إحياء آمال دمشق بدور حيوي في سوق الطاقة الإقليمي وفقا لتقرير نشره موقع ” الشرق” بلومبيوغ.
لماذا يعود خط الغاز القطري-التركي للواجهة الآن؟
اختلفت الأمور بعد انتهاء حكم بشار الأسد، الذي كان معارضاً للمشروع بسبب تحالفه مع روسيا، ورغبة منه بعدم الإضرار بهيمنتها على تصدير الغاز إلى أوروبا، بحسب موقع “إنرجي إنتلجنس” اللندني.
علاوة على ذلك، لم يعد الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الروسي بشكل رئيسي بسبب الحرب مع أوكرانيا التي بدأت في 2022، بل إن فكرة إنشاء خط الأنابيب قد تكون أكثر قبولاً للقارة العجوز حالياً.
من شأن خط الأنابيب الجديد أن يعزز تنويع إمدادات الطاقة في أوروبا، ويقلص اعتمادها أكثر على الغاز الروسي، ويعزز دور تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) كمركز حيوي للطاقة.
انخفضت حصة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب من 40% في 2012 إلى حوالي 8% في 2023، وبالنسبة للغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب وشحنات الغاز المسال إجمالاً، شكلت روسيا ما يقل عن 15% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الإجمالي بحسب بيانات المجلس الأوروبي.
تأييد تركي ومكاسب سورية
يكتسب إحياء مشروع خط الأنابيب دعم وزير الطاقة والموارد الطبيعة التركي ألب أرسلان بيرقدار. وأشار في تصريحات صحفية لوسائل إعلام محلية مؤخراً إلى أن المشروع يمكن أن يمضي قدماً مع تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية، مؤكداً الحاجة إلى توافر الأمن أولاً.
من ناحية أخرى، سيوفر المشروع دعماً مالياً تشتد حاجة الحكومة السورية إليه لإعادة إعمار البلاد. وتكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف ضخمة لإعادة الإعمار، تتراوح بين 250 و300 مليار دولار.
قد يعزز المشروع أيضاً قطاع الطاقة في سوريا الذي يحوي قدرات كامنة.
والقطاع مرشح لأن يمثل شريان حياة لجهود بناء الدولة، إذا ما استطاعت سوريا العودة إلى مستويات إنتاجها النفطي قبل اندلاع الحرب في عام 2011، والبالغة نحو 400 ألف برميل يومياً (حتى أن بعض التقارير تشير إلى أنها ناهزت بمرحلة ما نصف مليون برميل يومياً)، إذ قد تحقق عوائد سنوية تناهز 15 مليار دولار بسعر 70 دولاراً لبرميل النفط، وهي في أمس الحاجة الآن إلى تلك الموارد لإعادة إعمار بنيتها التحتية التي تدمرت إبان حرب ضروس.
تكتسب فكرة المشروع جاذبية مع إمكانية ربطه مع خط أنابيب الغاز العربي، رغم أن الدول العربية التي سيمر بها الأنبوب ستكون هي نفسها في حاجة إلى إمدادات الغاز القطري بدلاً من تصديره إلى أوروبا.
خط الغاز العربي الذي يمتد بطول 1200 كيلومتر تبلغ طاقته القصوى 10.3 مليار متر مكعب وتكلف المشروع قرابة 1.2 مليار دولار واكتمل خلال 6 سنوات في الفترة من 2003 إلى 2009.
وكان من المقرر أن يمتد إلى تركيا لنقل الغاز إلى أوروبا لكن تلك المرحلة توقفت قبل الحرب السورية وفقاً لمنصة “الطاقة” المتخصصة في القطاع.
عوائق في الطريق
رغم الطموحات المرتفعة، يُتوقع أن تعترض عقبات كبيرة سبل إحياء فكرة المشروع، وأهمها حاجة سوريا إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، والعوامل الجيوسياسية بين دول مرور الخط والتي قد تتعارض مصالحها الاقتصادية.
من سيتحمل كلفة الإنشاء؟
يبرز عنصر التكلفة كتحدٍّ مهم، إذ سيكون إنشاء الخط مكلفاً للغاية خاصة لسوريا التي لا تملك أي موارد مالية حالياً.
ورغم غياب تقديرات حديثة للتكلفة إلا أنه بالمقارنة مع خط أنابيب ممر الغاز الجنوبي الذي يمتد بطول 3500 كيلومتر وتكلف نحو 40 مليار دولار، نستطيع القول إن خط الأنابيب القطري التركي بنصف الطول سيكلف على أقل تقدير حوالي 20 مليار دولار، مما يثير تساؤلات حول من الذي سيتحمل كلفة الإنشاء
المصدر b2b-ate
اترك تعليقاً