أصدرت المحكمة الدستورية العليا المصرية قبل أسابيع قرارا قضائيا هاما قضت بموجبه بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1) و(2) من القانون رقم (136) لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والتي تنص على ثبوت الأجرة السنوية للأماكن المرخص إقامتها لأغراض السكن وعدم جواز زيادتها.فقد اعتبرت المحكمة الدستورية المصرية أن النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والذي يحظر زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص إقامتها لأغراض السكن، يشكل «عدوانا صارخا على الحق في الملكية، وبأن ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتا مطلقا يتعارض مع زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم». كما قضت المحكمة بأن القوانين الناظمة لعقود الإجارة لأغراض السكن «تنطوي على قاعدتين اثنتين هما الامتداد القانوني لعقود الإيجار والتدخل التشريعي في تحديد الأجرة، وكلاهما ليس عصيا على التنظيم القانوني».ولغايات الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي ونظرا للتبعات الاجتماعية المتوقعة للقرار الصادر عنها، فقد عمدت المحكمة الدستورية المصرية إلى ممارسة حقها الوارد في المادة (49) من قانونها فحددت اليوم التالي لانتهاء الدورة التشريعية العادية القائمة لمجلس النواب المصري تاريخا لبدء سريان قرارها بعدم الدستورية، وذلك لكي يكون أمام المشرع الوطني الوقت الكافي ليختار بين البدائل التشريعية المناسبة ما يحكم عملية مراجعة الأجرة السنوية للأماكن المخصصة لغايات السكن والخاضعة لقانون عام 1981.وباسقاط المبادئ السابقة التي قررتها المحكمة الدستورية المصرية على العلاقة بين المؤجر والمستأجر في القانون الأردني، نجد بأن قانون المالكين والمستأجرين النافذ لعام 1994 قد راعى القاعدتين التشريعيتين اللتين أشارت إليهما المحكمة المصرية في نصوصه وأحكامه. فقاعدة الامتداد القانوني لعقود الإجارة التي اعتبرتها المحكمة الدستورية المصرية بأنها «ليست عصية عن التنظيم التشريعي»، قد تقرر وضع قيود وضوابط لها في عام 2000، بحيث أصبحت العقود المبرمة بعد تاريخ 31/8/2000 محكومة بمبدأ سلطان الإرادة وقاعدة «العقد شريعة المتعاقدين»، وذلك فيما يخص مدة عقد الإيجار وأجرته المستحقة، في حين بقيت العقود القديمة المبرمة قبل ذلك التاريخ يحكمها مبدأ الامتداد القانوني لعقد الإيجار.أما قاعدة التدخل التشريعي في تحديد بدل الأجرة السنوية والتي استندت عليها المحكمة الدستورية المصرية في إعلان عدم دستورية نصوص تشريعية تنظم عقود الإيجار لغايات السكن، فقد راعها المشرع الأردني في المادة (5) من قانون المالكين والمستأجرين الحالي، والتي تعطي الحق لمجلس الوزراء بأن يعيد النظر في بدل الإجارة المقررة كل خمس سنوات، وذلك وفق النسب المئوية التي يراها محققة للعدالة والسلم الاجتماعي في مختلف مناطق المملكة أو أي جزء منها.ولغايات تنظيم هذا الحق الحكومي، فقد صدر نظام الزيادات النسبية على بدل الإجارة رقم (78) لسنة 2013، الذي حدد المقصود ببدل الإجارة الأخير لغايات إعادة النظر فيه، وأجاز لمجلس الوزراء مراجعة قيمته المالية مرة كل خمس سنوات، وذلك بما لا يتعارض مع الأمن والسلم المجتمعي.إن هذه المنظومة التشريعية التي تحكم علاقة المؤجر بالمستأجر في القانون الأردني والقائمة على أساس الموازنة في حق المالك في حماية ملكيته العقارية وتمكين المستأجر في الانتفاع من العين المؤجرة تعد متوافقة مع المبادئ التي قررتها المحكمة الدستورية العليا المصرية في قرارها الأخير الصادر عنها. فكل من قاعدتي الامتداد القانوني لعقود الإجارة وإعادة النظر ببدل الأجرة السنوية تخضعان للتنظيم القانوني بما يحقق العدالة بين طرفي عقد الإيجار.وتجدر الإشارة إلى أنه من الآليات التي أقرها المشرع الأردني لمراجعة بدل الإجارة في قانون المالكين والمستأجرين مبدأ الاتفاق بين المالك والمستأجر على زيادتها، مع إعطاء الحق لأي منهما في التقدم بطلب إلى المحكمة المختصة التي يقع العقار في دائرتها لإعادة تقدير بدل الإجارة بما يتناسب وأجر المثل في موقع العقار وذلك في حال عدم الاتفاق.وقد جرى الطعن بهذا الحكم التشريعي أمام المحكمة الدستورية الأردنية في عام 2013، التي لم تتردد في إعلان عدم دستوريته بحجة أنه ليس الطريق الأمثل لتقدير الأجر العادل، وبأنه لا يتوافق مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الدولة.وتبقى المسألة الأهم التي يجب التأكيد عليها أنه وعلى الرغم من ثبوت الحق القانوني لمجلس الوزراء في إعادة النظر ببدل الإجارة مرة كل خمس سنوات، إلا أن هذه المِكنة القانونية ليست مطلقة بل مقيدة بضرورة مراعاة الأمن والسلم الاجتماعي باعتباره التزاما قانونيا نصت عليه المادة (6) من الدستور. وعليه، فإنه لا يوجد ما يبرر قيام الحكومة بممارسة هذه الرخصة التشريعية في الوقت الحالي لانتفاء الغاية منها
اترك تعليقاً