في عالم السياسة، كما في لعبة الشطرنج، تُبنى القرارات الناجحة على رؤية بعيدة المدى، وقراءة دقيقة للمشهد الدولي، وتقييم متوازن للمصالح والتحديات. زيارة الوفد الأردني رفيع المستوى إلى تركيا مؤخرًا تعكس نهجًا استراتيجيًا مدروسًا يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، حفظه الله ورعاه، في تعزيز مكانة الأردن وتفعيل دوره الإقليمي والدولي.
الأردن: موقع محوري في منطقة مضطربة
الأردن ليس مجرد دولة صغيرة على رقعة الشطرنج الدولي، بل هو لاعب استراتيجي يدرك قواعد اللعبة ويستثمر موقعه الجغرافي والرمزي لتحقيق مكاسب وطنية وإقليمية.
• الجغرافيا كعامل قوة: يقع الأردن في قلب منطقة الشرق الأوسط، مما يجعله معبرًا للتجارة وحلقة وصل بين الدول الكبرى.
• الاستقرار السياسي: مقارنة بجيرانه، يتمتع الأردن بنظام سياسي مستقر يُتيح له لعب دور الوسيط والضامن في العديد من الملفات الإقليمية.
أبعاد الزيارة الأردنية إلى تركيا
تأتي زيارة الوفد الأردني إلى تركيا في توقيت حاسم يتزامن مع تطورات إقليمية ملحة. الزيارة ليست مجرد إجراء بروتوكولي بل تحمل رسائل استراتيجية متعددة:
- تعزيز العلاقات الاقتصادية
• أرقام واضحة: يبلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن وتركيا نحو 900 مليون دولار سنويًا، مع إمكانية مضاعفة هذا الرقم من خلال مشروعات استثمارية جديدة.
• فرص استثمارية: تشمل الاتفاقيات مجالات مثل الطاقة المتجددة، البنية التحتية، والتكنولوجيا، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي.
• السياحة العلاجية والتعليم: يمثل الأردن وجهة مميزة في السياحة العلاجية، ويُمكن تعزيز التعاون مع تركيا في هذا المجال. - التنسيق في الملف السوري
• الأردن وسوريا: مع تطورات الجنوب السوري وتصاعد التوترات الأمنية، يلعب الأردن دورًا مركزيًا في ضمان استقرار حدوده الشمالية.
• اللاجئون السوريون: يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، مما يشكل ضغطًا على موارده الاقتصادية. التنسيق مع تركيا، باعتبارها أحد أبرز اللاعبين في الملف السوري، يهدف إلى إيجاد حلول مشتركة تُخفف من هذا العبء.
• إعادة الإعمار: تشير تقارير إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا قد تتجاوز 400 مليار دولار، مما يُتيح للأردن فرصة للمشاركة في هذه الجهود من خلال استثمارات وشراكات دولية. - مكافحة التهديدات الأمنية
• تجارة المخدرات: الجنوب السوري بات نقطة انطلاق رئيسية لتهريب المخدرات إلى الأردن ودول الخليج. التعاون الأمني مع تركيا يُسهم في الحد من هذه الظاهرة.
• محاربة الإرهاب: يمثل التنسيق الأمني بين الأردن وتركيا عاملًا حاسمًا في مواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
القضية الفلسطينية: الأولوية الثابتة
الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني لطالما كان صوتًا مدافعًا عن القضية الفلسطينية، مؤكدًا على أهمية تحقيق حل عادل وشامل يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة.
• الوصاية الهاشمية: تُجسد الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس التزامًا تاريخيًا لا يتزعزع.
• دور إقليمي فاعل: التنسيق الأردني-التركي يُسهم في حشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، خاصة في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي.
رسالة إلى صُنّاع القرار
في ظل التحولات الإقليمية والدولية، يدعو المقال صُنّاع القرار الأردنيين إلى:
• تعزيز الاستفادة من الشراكات الدولية: بناء شراكات استراتيجية تُركز على الاقتصاد، الأمن، والسياسة.
• استثمار موقع الأردن الجغرافي: تطوير البنية التحتية لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للنقل والتجارة.
• تنويع الاقتصاد الوطني: تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية من خلال تعزيز القطاعات الإنتاجية المحلية.
ختامًا: الملك والدولة القوية
الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، حفظه الله ورعاه، يُمثل نموذجًا لدولة صغيرة بحجمها، كبيرة بدورها. تحركاته السياسية تُظهر فهمًا عميقًا للمعادلات الدولية، وتُكرس موقعه كملكٍ يدير رقعة شطرنج إقليمية معقدة.
في ظل هذه القيادة الحكيمة، سيبقى الأردن دولة شامخة، قادرة على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص. هذه الزيارة إلى تركيا ليست سوى خطوة أخرى في طريق طويل نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا.
المراجع
1. تقرير البنك الدولي عن اللاجئين السوريين وتأثيرهم على الاقتصاد الأردني، 2023.
2. دراسة معهد الشرق الأوسط حول إعادة إعمار سوريا ودور الأردن، 2024.
3. تقرير مجلس التعاون الأردني-التركي حول التبادل التجاري، 2024.
الدكتور محمد خير الضمور
اترك تعليقاً