إن ما تعانيه الأمة العربية اليوم ليس مجرد أزمة عابرة أو ظرفًا استثنائيًا طارئًا، بل هو نتيجة طبيعية لعقود من التشرذم والصراعات العربية-العربية التي أفضت إلى هذا الواقع المرير. إن الأزمة الحضارية التي تواجهها الأمة هي السبب الرئيسي وراء الكوارث التي تعصف بها، حيث أخفقت في مواكبة النهضة الحضارية العالمية، واكتفت بأن تكون عالة على الدول المتقدمة، متبنية مظاهر العصرنة السطحية دون فهم أو استيعاب عميق لمضامينها.
لقد انعكس هذا الانحطاط الحضاري على كل جوانب الحياة، إذ أصبح الوطن العربي ساحة مفتوحة للتنافس بين القوى العالمية والإقليمية، ومطمعًا يسهل استغلاله في ظل الضعف والتشتت. في الوقت نفسه، أخفق المثقفون العرب في الاضطلاع بدورهم الحقيقي في مواجهة هذه الأزمة. ورغم بعض المحاولات المتواضعة التي لم ترتقِ إلى مستوى التحدي، اقتصر دورهم على التماهي مع الأنظمة العربية في استبدادها وتخلفها، بدلاً من مواجهتها بجرأة والعمل على تحقيق نهضة فكرية شاملة.
وفي ظل غياب المراجعة الذاتية التي تستعرض أسباب التخلف وتحلل جذوره بموضوعية، لجأت الأمة إلى استيراد المظاهر العصرية من الغرب بشكل سطحي، مما زاد الفجوة الحضارية عمقًا. إن هذه الحالة المتردية ليست إلا انعكاسًا للانحطاط الحضاري الذي أوصل الأمة إلى هذا المستوى من الهشاشة، وجعلها عرضة للتقسيم والتبعية.
إن المستقبل يبدو أكثر قتامة إذا لم تسعَ الأمة العربية إلى مشروع نهضوي حقيقي يعيد بناء الذات، ويواجه أزماتها بجرأة ووعي شامل. فلا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا من خلال إصلاح شامل يبدأ بالفكر والثقافة، ويطال جميع مناحي الحياة، لانتشال الأمة من قاع الانحطاط إلى أفق النهضة.
د عاطف نايف زريقات
اترك تعليقاً