تشهد البيئة الإدارية الأردنية بمستوياتها المتعددة: الأكاديمية؛والاقتصادية؛ والسياسية، وفي القطاعين العام والخاص، تطورات ملحوظة، تمثّل انعكاسًا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يمرّ بها المجتمع الأردني، ما أدى إلى ظهور أنماط قيادية وإدارية جديدة. هذه الأنماط، رغم كونها مستحدثة، إلاّ أنها تسلط الضوء على تحديات وفرص تُشكّل ملامح الإدارة في مرافق وقطاعات الدولة الأردنية كافة . ومن أبرزها من وجهة نظري : المراهقة الإدارية؛ وإدارة الصغار والابتكار بلا خبرة؛ والإدارة بـ”الستيرة” وتجميل الصورة على حساب الحلول؛ وإدارة الكبار.* المراهقة الإدارية: ويعبّر هذا النمط عن الحماسة والتخبط، نتيجة حالة من عدم النضج الإداري، إذ تتخذ بعض القيادات قرارات آنية أو غير مدروسة، تعزى لنقص الخبرة أو غياب الرؤية الاستراتيجية. ويمكن أن يظهر ذلك في ظل غياب التخطيط طويل الأمد أو التردد في اتخاذ قرارات جوهرية.فالنتائج المحتملة لِمثل هذا النمط تكمن في: ضعف الأداء المؤسسي؛ وزيادة التوتر بين الموظفين؛ وتراجع الثقة العامة في القيادة.* نمط إدارة الصغار والابتكار بلا خبرة: ويتشكّل هذا النمط في بيئة عمل تزداد فيها الحاجة إلى الابتكار، ويتسم بسيطرة جيل الشباب على بعض مواقع القيادة، ويتميز بالمرونة وسرعة الاستجابة للتغيرات، لكنه قد يفتقر أحيانًا إلى العمق والخبرة اللازمة لإدارة أزمات معقدة او حتى تفهّم طبيعة العمل، وخصوصاً في القطاع الأكاديمي.والسمات البارزة له أنه يعتمد -بشكل مفرط- على التكنولوجيا؛ والتوجه نحو المخاطرة؛ وصعوبة بناء علاقات متوازنة مع الأجيال العاملة الأقدم في المؤسسة.* نمط الإدارة بـ” الستيرة” وتجميل الصورة على حساب الحلول.يشير هذا النمط إلى محاولة التستر على المشكلات الإدارية بدلاً من معالجتها بشكل جذري. هنا يقدم أصحاب هذا النمط صورة مثالية عن المؤسسة، بينما تعاني البنية الداخلية من أزمات قد تؤثر في الأداء على المدى الطويل ، وتكون بيئة العمل مليئة بالواسطة والمحسوبية والشللية واسترضاء جميع جهات النفوذ.ومن المخاطر المتوقعة: تآكل الثقة المؤسسية؛ وتكرار الأخطاء؛ وتعميق الفجوة بين القيادة والعاملين.* إدارة الكبار: خبرة تقليدية تواجه تحديات العصرويمثّل هذا النمط قيادة تعتمد على الخبرة الطويلة، لكنها قد تُظهر مقاومة للتغيير غير المحسوب. وغالباً ما تركز هذه القيادات على الأساليب التقليدية ومنح الثقة للعاملين، ما يجعلها غير قادرة على مواكبة التطورات السريعة.ومن التحديات التي تظهر بطء التكيف أحيانًا مع التحولات الحديثة؛ وضعف الاستفادة من الأدوات الإدارية الجديدة.رؤية تطويرية للإدارة والقيادة في الأردن:إن مواجهة التحديات التي تفرضها هذه الأنماط؛ يتطلب نهجًا شاملًا يدمج الخبرة التقليدية مع الابتكار الحديث. ولتحقيق ذلك، يمكن التركيز على:1. إعادة تأهيل القيادات بشكل كامل : الاستثمار في التدريب على المهارات الإدارية الحديثة لتعزيز الكفاءة والقدرة على مواجهة الأزمات.2. تشجيع التعاون بين الأجيال: إيجاد توازن بين روح الشباب وخبرة الكبار من خلال فرق عمل متنوعة.3. تعزيز الشفافية المؤسسية: العمل على مواجهة التحديات بدلاً من التستر عليها، وتبني ممارسات قائمة على الشفافية والمساءلة.4. التوجه نحو الابتكار: بناء ثقافة تعتمد على البيانات والتكنولوجيا، دون إغفال أهمية الحكمة التي تأتي مع الخبرة.ختاماً،إن التطورات التي تشهدها الإدارة في الأردن ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل تعكس ديناميكيات متجددة تتطلب قيادة قادرة على التكيف. ومن خلال فهم هذه الأنماط واستثمار نقاط القوة فيها ومعالجة أوجه القصور، يمكن للإدارة الأردنية أن تحقق نقلة نوعية تواكب التحديات وتستثمر الفرص بفاعلية واقتدار.
اترك تعليقاً