غازي العساسفة الحباشنة
نحن أمام اسم انسان طبيعي جدا يفرح لنفسه ويشارك الناس أفراحهم ويحزن لوحده ويشارك الناس أحزانهم وفي مجتمعنا الكركي الذي لم يتلوث بعد بلوثات العصرنة والحداثة بمفهومها الرأسمالي المهيمن بسلوكياته وثقافته
غازي الحباشنة ابن هذا المجتمع بكل ما فيه من قيم جميلة وتشوهات دخيلة
ولأن الإنسان المحافظ على إنسانيته تبرز قوة قيمه ومعانيها الحميدة أمام المواقف الصعبة والمفصلية
فسجل غازي الحباشنة موقفا شهما معطر بالعزة وروح المسامحة والعفو عند المقدرة
قد تعرض غازي وأبناءه وأهله وعشيرته لا متحان صعب بفقدانه لفلذة كبده وسنده الذي يساعده على مواجهة متطلبات الحياة لتوفير ما يلزم من حاجات ضرورية للحفاظ على حياة كريمة لأسرة كريمة فقد تعرض غازي وأسرته لفجيعة حلت به قضاء وقدرا
نتيجة دهس نجله على الشارع الرابط بين قريتين كركيتين يشهد لاهلهما بالأصالة وهما بتير وراكين
فكانت الفتاة الكركية العائدة لقريتها ومنزلها تقود سيارتها ولم يكن هناك المسافة البعيدة بين زمن الوصول ومكان الحادث المفاجيء،
تفاجاءت ابنتنا بأحد الماشية من قطيع اغنام ذلك الشاب المنتج الاصيل وحرصا منها على سلامة الشاة الخارجة عن القطيع حرفت اتجاه مقود عربتها بحثا عن الأمان لها وللشاه ولكن القضاء والقدر كان لها بالمرصاد
فبشكل مفاجيء أفقدها التركيز كان من صدمت به هو راعي القطيع وصاحبه
فكان شهيدا يحتسب عند رب العالمين لانه ذهب ضحية الحرص على قطيعه ومتابعة شؤونه متمما رسالته التي حملها من إيمانه بالحديث النبوي الشريف
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فقضى نحبه شهيدا على تلك الطريق ليكون رحيله باذن الله عبرة لمن يعتبر
أمام هذا المشهد المؤلم يقف الكثيرين للبحث عن مخرج من هذه المأساة منهم من يقول لندع القانون يأخذ مجراه
ومنهم من يقول فليحاسب الجاني حسب ما اقترفت يداه ولا يحتسب بالحسبان دور الايمان والقضاء والقدر
ولكن ما حصل في ملحمتنا هذه كان صورة من اجمل صور ثقافتنا الوطنية وبراءة مجتمعنا الكركي وطيبته
جاء المعزيين وانتشرت الأقاويل وجاء أهل الفتاة والتي اودعتها الشرطة لديها حفاظا على سلامتها انتظارا لصدور القرار المجتمعي حول مصيرها
فكان القرار من السيد غازي الحباشنة
بأنه لن يسمح بأن تبيت أبنتنا في السجن ليلة واحدة وأعلن بأنه لن يستكمل دفن الفقيد الا بعد أن تكون الفتاة في منزلها
ولعل هذا الموقف الكبير ككبر اهلنا ومجتمعنا واخلاقياتهم ومن اتخذ القرار لتنفيذه تعبر عن روحية راقية من المحبة والود والتكافل والتضامن حتى في حالة المأساة
بل زاد هذا الطيب طيبا
أن يعلن احد أشقاء الفقيد عندما تحول الحديث عن العوض بأننا لن ناخذ اي شيء من مال لا من دولة أو من عرب
مع العلم بأننا جميعنا الذي نملك سيارات ندفع لشركات التأمين مبالغ ليست سهله وتضيف علينا مستحقاتها كلما سنحت لها الفرصة لذلك
وهذا ما نعيشه الآن فعندما تسجل علينا إدارة السير مخالفة تقوم شركات التأمين بإضافة اثنا عشر دينارا على قيمة التأمين
وباعتقادي أن شقيق الفقيد لم يريد أن يؤخذ حقا ندفع ثمنها لشركات التأمين استمرارا لروحية المسامحة
وبناءا عليه أرى من الضروري أن يقوم أهل الحل والعقد من عشيرة الحباشنة والمعايطة بإقناع ذلك الشاب بأن مبلغ التأمين هو حق لا يعوضنا عن فقيدنا ولكنه جزء من مخرجات مجتمع رأسمالي ومنها هذا الأسلوب في تغطية بعض نفقات الأسر المكلومة
فعوائد التأمين حق لكل متضرر يدفعها من تسبب بالضرر
ارجو من الرحمن رحمته للفقيد ويلهم اهله وذويه الصبر والسلوان وأعان الله ابنتنا على الخروج من صدمة هذا الحادث المؤلم وادام على شعبنا الاردني وكركنا الأبية روح المحبة والتسامح والعفو كل ما استطعنا إليه سبيلا
اترك تعليقاً