خاص – من عجائب السياسة ودهاليزها الخفية، أن تجد الحكومة نفسها، بسلسلة من القرارات والإجراءات التي قد تبدو في ظاهرها منطقية أو ضرورية، تساهم بشكل فعال في تعزيز الفكر المعارض وتوسيع قاعدته الشعبية ، قد يكون الهدف المعلن هو الحفاظ على الاستقرار وترسيخ الثقة ، لكن النتائج على أرض الواقع قد تكون عكسية تماماً، حيث يتحول كل مواطن ساخط أو مظلوم أو جائع إلى بذرة قابلة للإنبات في حقل المعارضة والانتقاد .
إن العلاقة بين الحكومة والمواطن يجب أن تقوم على عقد اجتماعي متين، أساسه توفير الأمن والعدل والفرص. وعندما يختل هذا العقد، أو يشعر المواطن بأن الحكومة قد نكثت بوعودها، يبدأ الشرخ في الثقة بالتوسع. هذا الشرخ لا يلبث أن يتحول إلى أرض خصبة تنمو فيها بذور الاستياء والتذمر، وتتهيأ النفوس لتقبل أي فكر أو توجه يقدم بديلاً للواقع المرير الذي تعيشه.
فالحكومة ، في سعيها للحفاظ على سلطتها أو تحقيق أهداف معينة، قد ترتكب دون قصد سلسلة من الأخطاء التي تغذي نار المعارضة فعندما تشعر شرائح كبيرة من المواطنين بأن أصواتها غير مسموعة، وأن مصالحها مهملة، وأنها مستبعدة من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية، فإنها تصبح أكثر عرضة لتبني الأفكار المعارضة التي تعدها بالاعتراف وبمكانة أفضل ومع تفاقم البطالة، وارتفاع منسوب الفقر، وتدني جودة الخدمات الأساسية ، دون أن تبدي الحكومة استجابة فعالة أو تقدم حلولاً واقعية، فإنها تخلق بيئة حاضنة لنمو السخط والغضب. الجائع والعاطل والمريض يجدون في المعارضة صوتاً يعبر عن معاناتهم.
شعور المواطن بأن هناك غموضاً يكتنف عمل المؤسسات الحكومية، وأن المال العام ينهب دون حسيب أو رقيب، فإن الثقة في الحكومة تتآكل بشكل كبير. هذا الشعور بالخيانة والاستغلال يدفع الكثيرين للبحث عن بدائل تضمن النزاهة والمساءلة.
وللتذكير فإن بناء دولة قوية ومستقرة لا يتحقق بقمع المعارضة وتجاهل المطالب، بل بالاستماع إلى صوت الشعب ومعالجة الأسباب الجذرية للسخط والتذمر. الحكومة الناجحة هي التي تستثمر في رفاهية مواطنيها وعدالتهم وحريتهم، لأن ذلك هو الضمان الحقيقي لولائهم وانتمائهم، وهو السد المنيع أمام أي فكر معارض يسعى إلى زعزعة استقرارها. أما الحكومة التي تصم آذانها وتغض بصرها عن آلام شعبها، فإنها بذلك تحفر قبرها بيدها، وتحول كل ساخط أو مظلوم أو جائع إلى جندي في صفوف معارضة قد لا تتوقعها.
اترك تعليقاً