فى مسيرة أي أكاديمي، تتجاوز التجربة حدود القاعات الدراسية والأبحاث العلمية لتلامس جوهر الإدارة وصناعة القرار. فعندما توليتُ رئاسة جامعة العقبة للتكنولوجيا (٢٠١٧-٢٠١٩)، لم يكن التحدي مجرد الإشراف على مؤسسة أكاديمية، بل كان يتمثل في صياغة رؤية واضحة تجمع بين الجودة التعليمية، والاستدامة المالية، والابتكار في أساليب التدريس والبحث العلمي.إن قيادة جامعة في بيئة تنافسية تفرض تحديات معقدة، تبدأ من ضمان التمويل الكافي لتطوير البرامج الأكاديمية، مرورًا بتحقيق التميز في البحث العلمي، وصولًا إلى مواكبة التحولات الرقمية السريعة. ومع ذلك، فإن هذه التحديات تمنح أيضًا فرصًا كبيرة لإحداث تغيير حقيقي، حيث يصبح النجاح مرهونًا بقدرة الإدارة الجامعية على استشراف المستقبل، وتمكين الكفاءات، وتعزيز بيئة أكاديمية تدعم الإبداع والتفكير النقدي.لقد كانت تجربتي الأكاديمية والإدارية فرصة لاكتشاف أهمية التعليم العالي ليس فقط كوسيلة لنقل المعرفة، بل كأداة فعالة في صناعة التنمية وتعزيز التفاعل مع المجتمع وسوق العمل. فالجامعات ليست كيانات معزولة، بل هي مؤسسات مسؤولة عن إنتاج المعرفة، وتخريج قيادات قادرة على مواجهة تحديات العصر، والمساهمة في تقدم أوطانها.من جهة أخرى، كانت تجربتي في أستراليا سواء أثناء دراسة الدكتوراة / أو أبحاث ما بعد الدكتوراة وعملي بعدها في كل من سنغافورة والولايات المتحدة الاميركية محطات مفصلية في تكوين رؤيتي حول التعليم العالي، حيث تعزز لديّ الإيمان بأن النجاح الأكاديمي يتطلب نموذجًا تعليميًا مرنًا يدمج بين البحث العلمي، والتطبيق العملي، والتعاون الدولي. فالجامعات القادرة على تحقيق هذا التكامل تصبح أكثر تأثيرًا، ليس فقط على المستوى المحلي، بل في المشهد الأكاديمي والاقتصادي العالمي.وفي ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، يظل السؤال الأهم أمام كل قائد أكاديمي: كيف يمكن تحويل مؤسسات التعليم العالي من مجرد جهات مانحة للشهادات إلى قوى دافعة للابتكار والتنمية المستدامة؟ والإجابة تكمن في تبني سياسات مرنة، وتعزيز الشراكات الفعالة، والاستثمار في الإنسان كأهم مورد لتحقيق مستقبل أفضل.
الأستاذ الدكتور صلحي الشحاتيت
اترك تعليقاً