في مشهد يعكس حس المسؤولية الوطنية والتكاتف في وجه التحديات، هبّ القطاع الخاص الأردني لتقديم دعم مالي سخي للحكومة، بلغ حتى هذه اللحظة 130 مليون دينار. هذه المبادرة، التي تستحق كل التقدير والإشادة، تجسد إيمان القطاع الخاص بدوره المحوري في دعم الاقتصاد الوطني ومساندة جهود الحكومة في مواجهة الظروف الراهنة.
إن هذا الفزعة من البنوك والشركات الخاصة ليس بغريب على أبناء هذا الوطن، الذين لطالما أظهروا تلاحمًا فريدًا في أوقات الشدة. هذا الدعم المالي، الذي يأتي في لحظة حرجة، سيساهم بلا شك في تعزيز قدرة الحكومة على تنفيذ برامجها التنموية في قطاعي الصحة والتعليم وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، بالإضافة إلى مواجهة أي تبعات اقتصادية محتملة.
ولكن، وفي خضم هذا المشهد الإيجابي الذي ينم عن شعور عالٍ بالمسؤولية الوطنية من قبل القطاع الخاص، يبرز سؤال ملحّ ومهم: متى ستفزع الحكومة للمواطن بنفس القدر من الإلحاح والجدية؟
إن المواطن الأردني، الذي لطالما كان سندًا وعونًا لوطنه في مختلف الظروف، يواجه اليوم تحديات اقتصادية ومعيشية متزايدة. ارتفاع الأسعار، وتكاليف المعيشة المتصاعدة، والضغوط الاقتصادية المختلفة، كلها عوامل تثقل كاهل الأسر الأردنية وتستدعي تحركًا حكوميًا فاعلًا وملموسًا.
كما أن القطاع الخاص، الذي بادر بتقديم هذا الدعم الكبير، يعي تمامًا أن استدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل مرتبطة بشكل وثيق بقدرة المواطن على الإنفاق والاستهلاك والمساهمة في عجلة الاقتصاد. فالمواطن القوي اقتصاديًا هو أساس لقطاع خاص مزدهر واقتصاد وطني متين.
لذلك، فإن انتظار الحكومة لـ “فزعة” مماثلة للمواطن لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة. يجب على الحكومة أن تستشعر نبض الشارع، وأن تتلمس احتياجات المواطنين، وأن تبادر بوضع وتنفيذ خطط وبرامج عملية تخفف عنهم الأعباء المعيشية وتساهم في تحسين مستوى حياتهم.
إن “فزعة” الحكومة للمواطن يجب أن تتجلى في عدة جوانب، تبدأ بمراجعة السياسات الاقتصادية والمالية لضمان عدالة التوزيع وتخفيف الضرائب والرسوم التي تثقل كاهل المواطنين. كما يجب أن تتضمن هذه “الفزعة” إجراءات فعالة لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار ومنع الاحتكار والمغالاة.
علاوة على ذلك، يجب على الحكومة أن تولي اهتمامًا خاصًا بتوفير فرص العمل اللائقة للشباب الأردني، وتمكين الأسر ذات الدخل المحدود، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر تضررًا.
إن المبادرة القيمة التي قام بها القطاع الخاص اليوم تمثل نموذجًا رائعًا للتكاتف الوطني، وهي رسالة واضحة للحكومة بأن الجميع على استعداد للمساهمة في بناء مستقبل أفضل للأردن. ولكن هذا الجهد المشترك يجب أن يكون متوازنًا، وأن يشمل “فزعة” حقيقية من الحكومة تجاه مواطنيها، الذين هم عماد هذا الوطن وسنده الحقيقي.
إن اللحظة الراهنة تستدعي تضافر جميع الجهود، فكما فزع القطاع الخاص للحكومة، ينتظر المواطن بفارغ الصبر “فزعة” حكومية تعيد له الأمل وتمنحه القدرة على مواجهة تحديات الحياة بكرامة وعزة.
اترك تعليقاً