لا تقتصر عادة توزيع الطعام يوم الخميس في معان( الفضيله ) على مشاركة الأطباق وتبادل النكهات بين العائلات، بل تمتد لتشمل الأطفال الذين يتحولون إلى رسل للخير، يحملون الصحون المليئة بالطعام إلى بيوت الجيران، ويعودون بصحون أخرى مليئة بأطباق مختلفة، في مشهد يعكس أجمل صور التعاون والفرح.
عند اقتراب موعد الإفطار، يبدأ الأطفال في التوافد على منازل الأقارب والجيران، يحملون الأطباق بحماس وسرعة، يتسابقون في إيصال الطعام قبل أن يبرد، ثم يعودون بصحون جديدة تحتوي على أكلات مختلفة مما أعدته العائلات المستقبِلة. هذه التجربة تمنحهم شعورًا بالفخر والمسؤولية، وتزرع فيهم قيم العطاء والتكافل منذ الصغر.
إلى جانب متعة التوزيع وتذوق الطعام المتنوع، يفرح الأطفال أيضًا عندما تمنحهم العائلات المستقبِلة بعض القروش كنوع من التقدير لدورهم في إيصال الطعام. هذه العادة تضيف بُعدًا آخر للفرح، حيث يشعر الأطفال بأنهم قدّموا خدمة مهمة، وفي الوقت ذاته حصلوا على مكافأة تُدخل السرور إلى قلوبهم. بعضهم يحتفظ بالقروش لشراء الحلوى، والبعض الآخر يجمعها لشيء أكبر، لكن الأهم هو الشعور بالسعادة الذي يغمر الجميع، سواء من طبخ، أو وزّع، أو استقبل.
الأطفال روّاد الخير ونشأة “سبيل معان”
اللافت أن هؤلاء الأطفال الذين مارسوا بحب إيصال الطعام إلى الجيران والأقارب، هم أنفسهم الذين نشأوا ليصبحوا القائمين على “سبيل معان”، هذا المشروع الخيري الذي امتد لأكثر من ربع قرن، موصلًا الطعام إلى العائلات الفقيرة، وطلاب الجامعات، والعمال، والمارين على طريق العمرة، وحتى سائقي الشاحنات الذين يجوبون الطرقات طلبًا للرزق. ما بدأ كعادة بسيطة داخل الأحياء، تحول إلى عمل خيري مؤسسي يخدم آلاف المحتاجين، ويعكس قيم العطاء المتجذرة في المجتمع المعاني.
مائدة الخميس في معان ليست مجرد تبادل للطعام، بل هي فرصة لتعزيز روح المشاركة، وتقوية العلاقات بين العائلات، وإدخال البهجة إلى قلوب الصغار والكبار على حد سواء. إنها ليلة تمتزج فيها نكهات الطعام بروح المحبة والتراحم، في مشهد يعبّر عن أصالة المجتمع المعاني وكرمه، ويؤكد أن الخير الصغير الذي يُزرع في القلوب الطيبة يمكن أن ينمو ليصبح نورًا يمتد لأجيال.
خلدون حامد عليدي الشمري
اترك تعليقاً