طقوس رمضانية وعادات وقيم من التكافل الاجتماعي غابت دون رجعة عن أحياء الطفيلة وتجمعاتها السكانية، بفعل التكنولوجيا والتطور، وانتشار الفضائيات وعالم الإنترنت بفضاءاته الافتراضية، التى جزأت العلاقات الاجتماعية الطيبة، ولم يبق منها سوى ذكريات في وجدان البعض منا حتى ضاعت بهجة وبساطة رمضان وروحانياته العبقة بالرحمة والمغفرة.ويستذكر العديد من كبار السن، مجالس ايام زمان في رمضان التي قتلتها الاجواء المادية من فضائيات ومسلسلات ومسابقات على التلفاز. لقد تفككت الروابط بين افراد المجتمع المتماسك يقول هؤلاء، مستمتعين فقط بذكريات الماضى وعبق الطفيلة التي كانت تستقبل رمضان برائحة القهوة العربية والبخور والالفة ومساعدة الفقراء.وقال الوجيه علي الغبابشة لقد كان جيل الأجداد مترابطين ويزدادون ترابطا في رمضان؛ فتجد الرجال من العائلة الواحدة يجتمعون على الإفطار في مكان واحد، وكذلك النساء، بل إن رجال القرية أو الحي الواحد يجتمعون على الإفطار وشرب القهوة في جو من المحبة والألفة والصلة، وتتعهد النسوة بإرسال شيء من الطعام قبل الإفطار مع الصغار، كنوع من الصلة والقربة فيما يلتقي الرجال في حلقات في سوق الطفيلة القديم وعلى عيون مياه العنصر والجهير وحاصدة وغيرها في لقاءات من الود والمحبة .وتطرق الوجيه عبد الكريم القطيمات الى الفوارق الشاسعة بين رمضان قديمًا ورمضان هذه الأيام خاصة من حيث الألفة والمحبة والتقارب بين الناس وعادة تبادل الأطباق بين الناس لتصبح المائدة وكأنها بوفيه من كافة أطباق الحارة، مضيفاً لقد كان لشهر رمضان المبارك بالطفيلة ايام زمان نكهة خاصة تتدفق فيه الروابط الاجتماعية الممزوجة بالألفة الموروثة والتعاون بين الفقراء والاغنياء لتطغى الصبغة العشائرية على افراد المجتمع الواحد والاسر الممتدة، الى ان دخلت العصرنة بقنواتها الفضائية واماكن الترفيه والكسب المادي والتي ادت الى اضمحلال الروابط الاجتماعية واستبدالها بالمنفعة المادية.ويقول المختار أكرم السوالقة ان الناس في الطفيلة كانوا ينتظرون قدوم رمضان قبل أشهر عديدة ويستعدون له بتأمين مستلزماته فالناس بطبيعتهم فلاحون يجنون من ارضهم معظم ما يحتاجون من قمح وفاكهة وخضار مجففة وزيت زيتون ومشتقات الالبان من لبن وجميد وسمن بلدي التي تشكل غذاءهم اليومي في رمضان.ويقول عميد آل جعفر المحاسنة الشيخ عاطف المحاسنة، ان من طرق مراقبة هلال شهر رمضان استخدام منديل من نوع الفوال الابيض فعندما يرون ثلاثة خيالات للهلال يكون قد بقي من شهر شعبان ثلاثة ايام، وتتناقص خيالات الهلال الى اثنين وواحد ثم اخيرا لا يمكن رؤيته بعد ذلك الا وقت طلوع الفجر، فيرى في الجهة الشرقية على شكل هلال دقيق للغاية وبالكاد يراه البعض فتكون الليلة التي تلي ذلك هي اول ايام رمضان “غرة رمضان” وتتهلل اسارير الناس ويباركون لبعضهم بقدوم الشهر ويتبادلون عبارة “مبروك عليك الشهر” وبذلك يبدأ رمضان المبارك.ويضيف ان العادة في اول يوم في رمضان تبدأ بلم شمل الاسرة الكبيرة “بعزومة” يتم فيها ذبح شاة وتقديم الفتة المكونة من البقوليات وغيرها، وتكون في العادة قليلة الملح خاصة اذا جاء رمضان في ايام القيظ حيث يذهب معظم الرجال والنساء للعمل في الحقول ومزارع الزيتون لتوفير لقمة العيش، في حين كان السحور يتكون من مواد غذائية بسيطة يتخللها الزيت والقطين والزيتون.ويتابع، وحين يأتي رمضان في مواسم اللبن تكون بعض الأسر في اسعد حالاتها، مشيرا الى ان الناس في ذلك الزمان كانوا يعتمدون على المسحراتي الذي يطوف الحارات المظلمة من اجل تنبيه الناس لوقت السحور غير ان دور المسحراتي تلاشى مع الزمن لنعتمد على صياح الديك قبيل الفجر والتي تبدا في الغالب في الساعة الواحدة ما يتيح وقتا لربة المنزل لعجن العجين وخبزه في الطابون.ويقول معمر آخر ان الاسعار في ذلك الزمان كانت منخفضة غير ان السيولة النقدية بين الناس ضئيلة فسعر “الماعز” لم يكن يتجاوز الدينارين والتي كان بعض الفقراء يستبدلها بأرضه التي قد تكون دونمين او اكثر وكانت اسعار اللحوم منخفضة كما هي اسعار الدجاج الا ان الفقر والحاجة تدفع البعض الى الاعتماد على البقوليات من عدس وحمص وقمح وغيرها لعمل “الفتة” وإذا عزم على شراء “عنز” فإنه يكون بمشاركة جيرانه او اقاربه.ويقول الحاج ابو محمد ان اطعمة ايام زمان كانت تتكون من “الرشوف” الذي يتكون من العدس والحمص وجريش القمح المطبوخ باللبن اذا تيسر او البندورة المجففة حيث يفت بالخبز ويعجن مع شوربة الرشوف ويصب عليه الزيت او السمن البلدي إلى جانب المنسف الذي كان وما يزال من الأكلات الشعبية.في الغالب لا تغيير في الطعام يقول الحاج ابو محمد، وإن كان ولا بد من التغيير فإنهم يجعلون وجبة السحور ثقيلة نوعًا ما، وتكون مكوناتها من البر (المرقوق والجريش او الفتة وغيرها او اللبن المخيض واكل الزيت والزعتر )؛ لتمدهم بالطاقة في نهارهم، وأثناء قيامهم بالأعمال التي لا بد من القيام بها، ولا يستطيعون تأجيلها بالعمل في الحراثة ورعاية بساتين الزيتون والكرمة.ومن الاكلات المعتادة اكلة “الششبرة” المكونة من العجين المحشو بالفريك والبصل والمطبوخ باللبن او “بالرقاقة”المكونة من العجين المطبوخ باللبن الى جانب اكلة “المجللة “المعروفة لغالبية الناس في الارياف في حين كانت النسوة يتبادلن الاكلات كنوع من التعاون والالفة وتشكيل المائدة التي لو بحثت في مكوناتها لوجدتها من مادة واحدة.وتأتي الايام الاخيرة من رمضان ليستعد الناس للعيد حيث يرسلون احد ابناء القرية الى المدينة للاستطلاع ومعرفة يوم العيد لمعرفة ان كان شهر رمضان انتهى ام لا حيث لم ينتشر المذياع بعد ليأتي لهم بالخبر السار بان العيد سيكون باكرا لتعم الفرحة الممزوجة بالحنين الى عودة رمضان.وتبدأ الاستعدادات للعيد حيث يقوم الاقارب بالسلام على بعضهم بين المضارب والقرى وتقوم النسوة بالتحضير لعمل الفتة الصباحية المكونة من الحليب وخبز الطابون والتي تصب عليها الزبدة
اترك تعليقاً