الدكتور صلحي الشحاتيت يكتب : سوق البحث العلمي: حين يُشترى المجد بالوهم ويُباع العلم بالرخص

لم يعد البحث العلمي، في كثير من البيئات الأكاديمية، نتاجًا لحافز فكري أو دافع إنساني لحل المشكلات، بل تحوّل إلى نشاط سطحي مدفوع بالترقيات والألقاب، أكثر منه سعيًا نحو الحقيقة أو خدمة للمجتمع. لقد نشأت في الخفاء سوقٌ متضخمة، تُروَّج فيها أعمال بلا جذور، وتُمنح فيها الشهادات بلا اختبار حقيقي للمعرفة أو الجدارة.في هذا السوق المريب، تُنشر أوراق بحثية مجتزأة، وأخرى تُركّب تركيبًا دون منهجية أو أصالة. أما المجلات العلمية، فكثير منها تحوّل إلى منصات تجارية تستقبل المال مقابل النشر، دون أن تكترث بالقيمة العلمية أو جودة المحتوى. مخرجات هذه المنظومة غالبًا ما تكون مشوهة، لا تسهم في تطوير العلم ولا تُضاف إلى رصيد المعرفة البشرية، بل تُستخدم كوسائل عبور نحو مناصب أو ترقيات، لا أكثر.وما يزيد المشهد تعقيدًا أن بعض المؤسسات تغض الطرف، بل وتكافئ هذا النوع من “الإنتاج”، فتكرّس واقعًا هشًا تُصبح فيه المكانة العلمية نتاج القدرة على الدفع، لا على التفكير أو الإنجاز.إن الخطر الحقيقي لا يكمن في وجود هذه السوق فحسب، بل في قبولها ضمن الإطار المؤسسي واعتبار مخرجاتها دليلاً على التفوق والتميز. حينها، تفقد الجامعات دورها المحوري في تشكيل العقل، وتتحول إلى مصانع ألقاب، تخرّج الباحثين بالاسم، وتنتج المعرفة بالمظهر فقط.إصلاح هذا الواقع يبدأ بإعادة الاعتبار للبحث النزيه، وتعزيز ثقافة الجودة، ووضع معايير صارمة تُميّز بين من يُجيد التوثيق ومن يُتقن التفكير
.