+
أأ
-

فيجا ابوشربي تكتب:وجدان الشعوب بين الخوف والنجاة

{title}
بلكي الإخباري









كيف تفكر الشعوب في لحظات الحرب؟ كيف يتغير وجدانها؟ ما الذي يحدث حين تتحول الخريطة إلى ساحة قتال، والذاكرة إلى أرشيف للدماء؟ ليست الحرب مجرد دويّ مدافع وانهيار مبانٍ، بل هي انكسار داخلي لا يُرى، وجروح لا تلتقطها الكاميرات. سيكولوجية الشعوب في الحرب مرآة نرى فيها كيف يتحول الإنسان من عاشقٍ للحياة إلى كائن مهووس بالبقاء.
الخوف في الحرب؛ جماعي، لا يبقى محصورًا داخل الأفراد، بل ينتقل كعدوى، ويتحول إلى حالة عامة تطبع النفوس وتغيّر ملامح الناس. يصبح الناس أكثر تمسكًا ببعضهم، أو أكثر شكًّا ببعضهم، بحسب نوع الحرب وهوية العدو. نغضب، نرتبك، نبحث عن بطل، عن رمز نحتمي خلفه. حتى الأطفال، الذين لا يفهمون معنى "الحدود" و"السيادة"، يشعرون أن هناك شيئًا ما قد اختلّ في العالم. هذا الشعور لا يزول بسهولة.
حين تنتهي الحرب نعتقد ان كل ما رافقها ينتهي معها، والحقيقة انه لا ينتهي. الحرب تظل تسكن في التفاصيل الصغيرة: في نبرة الصوت، في ردة الفعل، في الأحلام التي لا تُحكى. بعض الناس يتمنّون النسيان، وآخرون لا يستطيعون أن يسامحوا. ويقف المجتمع كله أمام سؤال مؤلم: هل نمضي وننسى؟ أم نعود ونفتح الجرح لنعالجه؟
مع الوقت، تنبت من الركام زهور لا تشبه ما سبق. يولد الفن، وتعود الكتابة، وينهض شعراء ومسرحيون وروائيون ليحكوا ما عجزت البنادق عن شرحه. يصبح الأدب هو وسيلة الشعوب لفهم نفسها، ولفهم ما حدث لها.
التجربة اليابانية كانت ولا تزال مدهشة. أمة خرجت من القنبلة الذرية إلى قمة التكنولوجيا والنهضة. لم تنكر ألمها، لكنها لم تبقَ فيه. وكذلك رواندا، التي خرجت من مذبحة إلى مصالحة، ومن كراهية إلى قانون محلي أعاد الإنسانية إلى مفاصلها.
لكن هناك شعوبًا أخرى لا تزال عالقة في لحظة الانفجار. لم تجد طريقها للشفاء. إما لأنها لم تعترف بما حدث، أو لأن أحدًا لم يمد لها يدًا تحمل النور.
ما أريد قوله في هذه السطور، أن الشعوب لا تموت بالحرب، لكنها تتغير. منها من يتصلب، ومنها من يلين، ومنها من يكتشف إنسانيته بعد أن فقدها. نحن لا نتحكم في الحروب دائمًا، لكننا نتحكم في الطريقة التي نتجاوز بها نتائجها. وهذا ما يصنع الفرق.