+
أأ
-

رأي يكتبه المحامي زيد النابلسي تحت عنوان (لا يوجد عاقل يسلم مصدر مياه شربه لعدوه )

بلكي الإخباري

خبر محزن ومخجل في نفس الوقت ذلك الذي رأيناه يوم أمس عن توقيع تفاهم توليد الطاقة الشمسية في الأردن مقابل المياه المحلاة في إسرائيل…





لن أحدثكم عن عقيدة المقاومة وعن المحور الذي أنتمي له، فأنا أؤمن أن ما أُخِذَ بالقوة لا يُستَرَد بغير بالقوة، وأن الاستقلال الحقيقي لا يكون إلا بالعمل والكفاح المتواصل من أجل امتلاك عناصر هذه القوة وإجبار العدو والصديق على أن يحسب لك ألف حساب، ولكن هذا شأني الخاص ولن أفرضه على أحد…





سأحدثكم هنا فقط من منظور المصلحة الوطنية الأردنية العليا، فلا يوجد عاقل يمكن أن يفهم أو يتفهم كيف يمكن أن يقبل أردني أن يسلم رقبته ويضع حنفية مياه شربه بأيدي دولة له معها تاريخ طويل من الحروب والعداء والقتل والمجازر، حتى وإن كان قد أبرم معها معاهدة سلام…





ما يزيد المشهد رداءةً وتهافتاً هو حقيقة أن إسرائيل اليوم أصبحت مجتمعاً عنصرياً مريضاً بأكملها ولم يعد بها ما كان يسمى بمعسكر السلام في زمن إسحق رابين، بل أن حكوماتها اليمينية المتطرفة تتنافس فيما بينها على من هو الأكثر فاشيةً وعنصريةً ورفضاً لأي تسوية، عادلة كانت أم حتى غير عادلة…





نعم أيها السادة، الحكومات المتعاقبة في إسرائيل اليوم تتبارى فيما بينها على من هو الأكثر تطرفاً ومن هو الأنجح في سلب الأراضي وسرقة المياه وبناء المستوطنات وهدم البيوت وإذلال الفلسطينيين وتجويعهم وتركيعهم…





فلماذا نكافىء هذا العدو العنصري هذه المكافأة المجانية ونسلمه رقابنا ونعتمد عليه في ماء شربنا بينما هو ممعن في يمينيته وفي تطرفه، وبينما هو يرفض حتى مبادرة السلام العربية الهزيلة التي أطلقت في 2002 في بيروت، وبينما تقول مجلة تايم الأمريكية في عددها في أيار الماضي أن "حكومات أقصى اليمين المتطرف هي التي ستتحكم بمستقبل إسرائيل"؟





إذا كان خيار المقاومة المسلحة ليس في قاموسكم، فماذا عن حملات الـBDS السلمية وهي أضعف الإيمان، أي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وهي الحملات الناجحة والمؤثرة التي تبنتها دول ومنظمات ومجتمعات بعيدة عن فلسطين ولا تربطها بها علاقات الدم والتاريخ كما هو حال الأردن؟





الصهاينة أنفسهم يتحدثون اليوم في دراساتهم وكتاباتهم عن تحول عالمي غير مسبوق في التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية بعد حرب غزة الأخيرة، كما رأينا في التأثير العميق لمواقف المشاهير ومنهم الفلسطينيات جيجي وبيلا حديد وغيرهم، والذي أحدث ثورة حقيقية في فضح عنصرية هذه الدولة واحتلالها الغاشم…





فلماذا نمنح هذه الدولة صكوك البراءة والغفران ونعاونها على مسح تاريخها وحاضرها الأسود الغارق في التطرف والعنصرية وسرقة الحقوق الفلسطينية؟





الكلام عن أن إسرائيل ليس لديها مناطق لإقامة محطات طاقة شمسية هو كذب بواح، فصحراء النقب مساحتها حوالي 15 مليون دونم وتتسع لألف محطة طاقة شمسية وليس فقط واحدة…





وحتى من الناحية الفنية، لماذا لا نسعى إلى إنشاء محطة تحلية وطنية طال انتظارها في العقبة بإمكانها أن تشبك فوراً على خط أنابيب مياه الديسي الموجود أصلاً على بعد كيلومترات قليلة، والذي يضخ المياه عبر شبكة جاهزة لكافة أنحاء المملكة، بدلاً من هذه الاتفاقية الغبية التي لا يوجد أي مبرر فني لها ولا فائدة عملية ترتجى منها سوى السير في ركب التطبيع الإبراهيمي سيء السمعة والصيت؟





محزن ومخجل وغصة في القلب ما شاهدناه وسمعناه بالأمس، وسنظل نرفع الصوت عالياً ضد ربطنا عضوياً بهذا الكيان الغاصب حتى آخر نفس في صدورنا…