دبلوماسية صينية بهدوء محسوب

إلهام لي تشاو
جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي الأخيرة إلى الشرق الأوسط في لحظة إقليمية ودولية شديدة التعقيد، غير أن أهمية الزيارة لا تكمن في توقيتها فقط، بل في الرسائل السياسية الواضحة التي حملتها حول طبيعة الدور الصيني في المنطقة واتجاهه المستقبلي.
أول هذه الرسائل أن انخراط الصين في شؤون الشرق الأوسط هو خيار استراتيجي طويل الأمد، وليس تحركا تكتيكيا مرتبطا بالأزمات. فمن خلال الالتزام بتنفيذ توافقات القادة الصينية العربية، تؤكد بكين أنها تراهن على الاستقرار وبناء الثقة، لا على إدارة الأزمات من موقع بعيد أو متقلب. هذا النهج ينسجم مع رؤية صينية ثابتة تعتبر الشرق الأوسط شريكا أساسيا في مسار التنمية العالمية.
الرسالة الثانية تتعلق بطبيعة المقاربة الصينية للقضايا الإقليمية. فالمباحثات لم تقتصر على التعاون الثنائي، بل شملت تطورات الأمن الإقليمي والقضايا الساخنة في المنطقة. الصين تطرح نفسها كطرف داعم للحلول السياسية والحوار، وترفض منطق الاستقطاب والتحالفات الصلبة. هذا الخطاب يلقى صدى متزايدا لدى دول المنطقة التي باتت أكثر حساسية تجاه التدخلات الخارجية وتداعياتها.
أما الرسالة الثالثة، فتتصل بالسياق الدولي الأوسع. إذ أدت الزيارة دورا تمهيديا في التحضير للدورة الثانية من قمة الصين -- الدول العربية، بما يعكس سعي بكين إلى بناء أطر تعاون جماعي مع العالم العربي، وليس الاكتفاء بالعلاقات الثنائية. في ظل التحولات المتسارعة في النظام الدولي، تقدم الصين نموذجا يقوم على الشراكة المتكافئة واحترام السيادة وربط الاستقرار بالتنمية.
خلاصة القول إن زيارة وانغ يي تؤكد أن الصين لا تسعى إلى ملء فراغ أو منافسة قوى أخرى في الشرق الأوسط، بل إلى ترسيخ حضور هادئ ومتدرج، يركز على الاستقرار والتنمية والتعاون طويل الأمد. وفي منطقة أنهكتها الصراعات، تبدو هذه المقاربة أقل صخبا، لكنها أكثر قابلية للاستمرار.

















