مقالات مختارة | تحول جذري وشيك في ميزان القوى العالمي مع تلاشي الهيمنة الأمريكية
كتب خبير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية البروفيسور أبراهام بن تسفي، مقالاً لصحيفة "إسرائيل هيوم" جاء فيه:
قبل واحد وثلاثين عامًا، في فبراير 1991، انتهت الحرب الباردة، التي استمرت 45 عامًا وألقت بظلالها الخطيرة والمرعبة على النظام العالمي، ولطالما كانت تهدد بجر النظام الدولي بأكمله إلى دوامة انتحار مروعة لا يمكن الخروج منها للأبد.
كان قرار الزعيم السابق للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف في 25 فبراير 1991 بتفكيك الإطار العسكري لحلف وارسو هو المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية السوفيتية، بعد أن فصلت الدول التابعة في أوروبا الشرقية نفسها بشكل أحادي عن قبضة الكرملين.
لكن التوقع السائد بأن انهيار العالم الذي كان يشهد حالة من الاستقطاب المليء بالاحتكاك والتوتر، من شأنه أن يؤدي إلى نمو هيمنة ليبرالية مستقرة تحت القيادة الخالصة لواشنطن سرعان ما تحولت إلى مأساة أمريكية تلقي الآن بظلال من الشك بشأن قدرتها وتصميمها على الحفاظ على مركزها القيادي في مواجهة التحديات التي تواجهها.
لقد تجاهلت إدارة بوش الابن حدود القوة وتطمح إلى إعادة بناء الأمة العراقية بروح القيم الأمريكية. كان هذا "الانفجار الكبير" الذي تسبب في تآكل مكانة القوة العظمى الوحيدة المتبقية، حيث وصلت هذه العملية اليوم إلى أدنى مستوى خطير حيث تطمح الولايات المتحدة، بعد فشل العراق، إلى الانغلاق داخل المجال الأمريكي.
على الرغم من أن روسيا في عهد بوتين فقدت أصولها الإقليمية ووضعها كقوة عظمى، إلا أنها كانت تراقب باستمرار ما كان يفعله رأس النظام العالمي ولم تتردد أبدًا في استغلال أي ثغرة في جداره المحصًن، فضلاً عن الرغبة في تقليل مشاركتها الاستراتيجية في الخارج. (على سبيل المثال، عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 وبدأت الآن في التعدي على أوكرانيا).
حتى وقتنا الحاضر، بعد انسحاب القوات الأمريكية المذعور من أفغانستان، كما هو الحال في العراق، تم وضع حلم تحويل البلاد إلى ديمقراطية فاعلة على الرف. شكل ذلك فرصة سانحة لموسكو لتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية من خلال فرض الهيمنة العسكرية على أوكرانيا (أو الأجزاء الشرقية منها). إنها السمفونية القديمة ذاتها: بعد شهور من تسليم بايدن أفغانستان لطالبان على طبق من فضة، تقوم روسيا بسن سيفها وأصبحت تشكل تهديدًا هائلاً ووشيكاً لحدود أوكرانيا.
حتى المراقب الأقل ذكاءً من الحاكم في الكرملين سيدرك عدم كفاءة الرئيس السادس والأربعين، حيث لا يزال غارقًا في الساحة المحلية، الأمر الذي يمكن أن يمنح بوتين نظريًا فرصة ذهبية لاستقراء الفجوة بين الخطاب الرئاسي العدواني والاستعداد الفعلي للرد بقوة على التحديات الوشيكة. خاصة في ظل التصدعات التي يشهدها المستوى البلاغي في عقيدة الردع التي رسمها، والتي تكشف حالة غير مسبوقة من الضعف والتراجع.
إن إعلان بايدن أنه سيقبل إجراءً محدودًا في أوكرانيا كان فعليًا بمثابة الضوء الأخضر لبوتين لمواصلة مهاجمة سيادة حكومة كييف، مادام ليس هناك غزو واسع النطاق، مما يضر بمصداقية التهديدات التي يطلقها هو وغيره من كبار المسؤولين الآخرين باستمرار. حتى إعلان البيت الأبيض عن استعداده لنشر 8500 جندي أمريكي في المنطقة دليل على أن هذه الخطوة رمزية وليست عملية، بالنظر إلى حقيقة أن القوات الروسية المحيطة حاليًا بأوكرانيا يبلغ عددها 120 ألفًا على الأقل.
علاوة على ذلك، ظهرت خلافات خطيرة في ذروة الأزمة بين بعض أعضاء الناتو، مع ألمانيا على وجه الخصوص، التي ترفض المشاركة وتسعى إلى إحباط أي مبادرة عسكرية أو عقوبات تتعلق بالطاقة ضد موسكو، الأمر الذي يحد من فعالية التهديد الأمريكي برد مؤلم متعدد الأطراف من قبل المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
لا أحد يشكك في أن إيران أيضاً تراقب الأحداث على الحدود الأوكرانية باهتمام، ويمكننا أن نفترض أن طهران (مثل بيونغ يانغ)، ستستخلص استنتاجات حول كيفية تعامل النسر الأمريكي مع الأزمة. وستُعرب عن هذه الاستنتاجات قريباً في مواقفها من المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا. والواقع أن الأيام والأسابيع المقبلة ستوضح ما إذا كنا على موعد مع حدوث تحول جذري وشيك في ميزان القوى العالمي في ظل تلاشي الهيمنة الأمريكية.



















